أحمد أبو زهـري
نقترب اليوم من الذكرى السنوية لإحياء يوم القدس العالمي والتي جاءت استجابة لدعوة الإمام الخميني عام 1979 رحمه الله، وجاء فيها اعتبار آخر جمعة في شهر رمضان يوم تنتفض فيه الأمة نصرة لقضية
القدس، التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي وتتعرض لمحاولات طمس الهوية وتغيير المعالم وتهجير السكان، لتهويدها وشطب الوجود الفلسطيني والعربي والإسلامي من هذه الأماكن المقدسة.
وفى هذا اليوم نستشعر مكانة القدس وتاريخها ومستقبلها لما تمثله قضية القدس من قيمة إسلامية وعربية وفلسطينية، فهي ليست مجرد مدينة تهفوا إليها نفوس السياح، أو مساحة جغرافية في أطراف الوطن، أو مكان للعبادة فقط إنما تمثل القدس وعلى مدار التاريخ قبلة للمسلمين ومنارة يهتدى إليها ملايين في هذا العالم، وعنوانا ومركزا للصراع القائم مع الاحتلال الإسرائيلي، وملفا في غاية الأهمية والحساسية على المستوى الدولي، ومطمعا استعماريا اتجهت إليه حملات مختلفة في حقب تاريخية متفاوتة.
وأن المساس بالقدس يلهب مشاعر العرب والمسلمين لأن القدس ليست لفلسطين وحدها بل هي إحدى القضايا المركزية للأمة، فالمواقف المشرفة حاضرة في التاريخ وهذه الشعوب قدمت وتقدم للقدس ما بوسعها، لكنها لازالت تواجه قمع الحكام وتضييق الأنظمة التي بدت راغبة في مهادنة الاحتلال لارتباط مكانتها وأنظمتها عضويا بالاحتلال، فجرى تهميش القدس وإشغال الشعوب بقضايا أخرى لحرف البوصلة وإيجاد بدائل أخرى تحظى بالاهتمام على حساب قضية فلسطين والقدس، فيوم القدس العالمي حمل رونقا خاصا، وتميز عن غيره من الفعاليات في أنه لم يكن عطلة إسلامية دينية، بل أصبح حدثا سياسيا مفتوح أمام كل المسلمين وغير المسلمين على حد سواء بحيث يشترك فيه كل حر في هذا العالم دعما لفلسطين والقدس وإسنادا لجهود الشعب الفلسطيني في مظلوميته التاريخية بل والخطيئة السياسية والأخلاقية التي ارتكبتها الدول الاستعمارية الكبرى في تمكين الصهاينة من احتلال فلسطين والاستيلاء على القدس.
إن ما تتعرض له القدس اليوم من مؤامرة كبيرة وقاسية من قبل الاحتلال الإسرائيلي والذى يواصل حفرياته، وبناء المستوطنات، وهدم بيوت المقدسيين، وقضم الأراضي وتزوير حضارة المدينة، ومنع المصلين من دخول الأقصى والتضييق عليهم ومحاولة التقسيم الزماني والمكاني، في ظل الاستقواء بالدعم والموقف الأمريكي لاعتبار القدس عاصمة أبدية للاحتلال، يأتي في سياق المخطط الخبيث الذى تديره الإدارة الأمريكية نحو تطبيق الصفقة الموهومة" صفقة القرن" والتي كانت أولى خطواتها تجاه القدس.
وبكل أسف يمر هذا في ظل صمت عربي وإسلامي مريب إلا من بعض المواقف المتناثرة والخافتة هنا وهناك في ظل التطبيع الذى تسلل إلى بلداننا العربية، وهذا يعكس مدى التراجع في الأولويات، وأن الأنظمة لم تكن على قدر التحديات.
لذلك يأتي يوم القدس العالمي ليعيد الأمل بعد هذه الجراح التي أصابت قضية القدس، ويرسخ في الأذهان تاريخا مشرفا يجب أن تفخر فيه الأمة وتسعى لتفعيل كل أدواتها في مواجهة الخطر الصهيوني والأمريكي المحدق والمتربص بحقوقنا المشروعة وبوجودنا على هذه الأرض وبمصالحنا الاستراتيجية.
نحن مدعوّين جميعا لإحياء هذا اليوم ليس من أجل الاحتفال فقط وإلقاء الخطابات، بل لمراكمة القوة والحشد الدائم لقضية القدس استعدادا للمعركة الفاصلة، وتحويل هذه الذكرى لفعاليات حية يتم فيها إشغال العدو، واستنزاف قواته في كافة الساحات الفلسطينية، والسعي لإرباكه في الساحات السياسية والدبلوماسية والحقوقية على مستوى العالم لتذكير قوى العالم أن إرادة شعبنا وأمتنا أقوى من كل مؤامرات التصفية، وأن المراهنات على تمزيق وحدة العالم العربي والإسلامي وشطب قضية القدس ستبوء بالفشل.

0 تعليقات
إرسال تعليق