عمر سعد سلمان                                    

ان حفنة متناقضة من مستثمري الأرض والشركات الغذائية تسيطر على جزء يتزايد أكثر فأكثر من غذائنا، اننا نتعرض لتصنيع متزايد وغير ضروري، ونتعرض لمواد كيميائية خطرة، وتغذية اقل، ولأسعار مرتفعة باستمرار، ينتج عنها جوع البعض، وسوء تغذية الكثيرين. وبمحاربة القوى التي تحكم قبضتها على اقتصادياتنا الغذائية، فأننا نحارب مباشرة بعضاً من نفس القوى التي تزيد الجوع في بلدان آخري
لقد دفع العديدون بالاعتقاد خطأ بأن العدالة لو صارت لها الأولوية، فسوف تتم التضحية بالإنتاج. ولكن العكس هو الصحيح. فمحتكرو الأرض، من كل مجموعات النخبة المالكة التقليدية، وشركات استثمار الأراضي، هم الذين اثبتوا انهم الأقل كفاءة وجدارة بالثقة، والاشد ميلاً الى التدمير من بين مستخدمي موارد انتاج الغذاء. ان إضفاء الصبغة الديمقراطية على السيطرة على موارد انتاج الغذاء، هي الطريق الوحيد للإنتاجية الزراعية البعيدة المدى بالنسبة للآخرين وبالنسبة لنا.
في الواقع، عندما نجد أناس لا يطعمون أنفسهم الآن، يمكنهم ان يتأكدوا من ان عقبات قوية قد وضعت في طريقهم. وأول خطوة في وضع الطعام اولاً هي نزع الغموض عن مشكلة الجوع. وربما كان ذلك هو أكثر ما يقدمه كتابنا من مساعدة. فنحن لم نبدأ بوصفنا خبراء، بل بدأنا كما كان يمكن ان تبدأوا أنتم. لقد أصبحنا مهتمين بالموضوع. فقد كان الجوع يلوح كأنه أضخم مشاكل عمرنا. وكلما تعلمنا أكثر فأكثر، وقرأنا ما كتبه الخبراء وسافرنا عبر بلدنا وفي الخارج، وجدنا انا الحل لمشكلة الجوع في العالم ليس لغزاً
ان تشخيص الجوع بأنه نتيجة لندرة الغذاء والأرض، هو لوم للطبيعة على مشكلات من صنع البشر. ففي العالم يوجد على الأقل 500 مليون من البشر سيئي التغذية او جائعين. هذا الجوع يوجد في مواجهة الوفرة، وهنا تكمن الإهانة
بالقياس عالمياً، يوجد الآن ما يكفي من الغذاء لكل فرد، فالعالم ينتج كل يوم كيلوغرامين ونصف كيلوغرام من الحبوب لكل فرد، لا يتضمن الأطعمة الأخرى التي يأكلها الناس (البقول/الجوز/ الفواكه والخضروات/ المحاصيل الحقلية/ لحوم الحيوانات) وهكذا، وعلى مستوى العالم، فليس هناك أساس لفكرة انه لا يوجد من الغذاء ما يكفي الجميع
لكن الأرقام العالمية لا تعني سوى القليل. الا فيما يتعلق بدحض المفهوم الشائع القائل بأننا قد بلغنا حدود طاقة الأرض. والمهم هو ما إذا كانت توجد موارد كافية لإنتاج الغذاء في البلدان التي يجوع فيها العديدون.  
وقد وجدنا ان الموارد موجودة، لكنها تعاني دائماً من قلة الاستخدام او من سوء الاستخدام، مما يخلق الجوع للكثيرين والتخمة للقلة
لقد اثبتت دراسات كثيرة ان 44% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تم زراعتها فقط. وفي افريقيا وامريكا اللاتينية لا يزرع سوى اقل من 25% من الأراضي الصالحة للزراعة. ويمكن لمحاصيل الحبوب في الدول النامية ان تفوق الضعف قبل ان تصل الى متوسط المحصول في الدول الصناعية. وليس هناك من سبب فيزيائي يحول دون ان يفوق انتاج الفدان في معظم الدول النامية الإنتاج في الدول الصناعية، وفي عديد من البلدان النامية، يمكن للأرض التي تقدم الآن محصولاً واحداً في السنة ان تقدم محصولين او أكثر
والعقبات امام تحرير هذه الطاقة الإنتاجية هي اجتماعية بسبب السيطرة غير العادلة على الموارد الإنتاجية، ففي معظم البلدان النامية التي يجوع فيها الناس، يسيطر كبار الملاك على معظم الأرض. وقد أظهرت دراسة عن 83 بلداً، ان ما يزيد قليلاً عن 3% من مجموع ملاك الأرض يسيطرون على 79% من كل الأراضي المزروعة. لكن هؤلاء الملاك الكبار هم الأقل إنتاجية، فالعديد ممن يحوزون كميات كبيرة من الأرض من اجل المكانة او باعتبارها استثماراً، وليس كمصدر للغذاء، يتركون مساحات كبيرة دون زراعة. وبالإضافة الى ذلك فان الثروة الناتجة لا يعاد استثمارها في التنمية الريفية، بل انها تمتص في استهلاك ترف او تستثمر في صناعات تناسب اذواق الميسورين الحضريين.