ابراهيم الدهش

الزخرفة، هي مجموعة نقاط وخطوط وأشكال هندسية ورسوم حيوانات ونباتات وكلمات متداخلة ومتناسقة فيما بينها، تعطي شكلا جميلا وتُستعمل لتزيين المباني والأواني والملابس والجوامع والكنائس والمدافن والنقود والعملات والقصور وبعض أعلام الدول ..
لمحة تاريخية عن هذا الفن :
رافقت الزخرفة الإنسان منذ ما قبل التاريخ، وازدهرت في كافة العصور، وتُعتبر مرآة الحضارات، ففيها عكست الأمم المتلاحقة أشكال ونُظُم الحياة والمعيشة والعادات والتقاليد.


واعتبرت الزخرفة إحدى وسائل معرفة تاريخ الامم السابقة ومدى تطورهم وتعمّقهم الفكري والديني والمعرفي ومدى تحضّرهم.
تطور فن الزخرفة :
عرف إنسان ماقبل التاريخ فن الزخرفة، وبما أنه كان وقتها يسير على الفطرة وكانت اهتماماته لا تتعدى مهام الحياة اليومية وشؤون الطعام والشراب، جاءت الزخرفة فطرية في نشأتها وظلّت كذلك ردحا طويلا. فرسم الإنسان وقتها ونقش وزخرف بعض الأشكال البدائية من خطوط ونقاط.

وعندما أحسّ الإنسان بوجود قوى خفيّة في الطبيعة، مسؤولة عن تحريك الكائنات، تغيّرت أشكال الزخرفة والنقوش ورسموا حينها الحيوانات والنباتات وبعض الظواهر الطبيعية.

ومع تقدّم الإنسان معرفيا وحضاريا، ألحّت عليه الحاجة للتجميل، فاستعمل الزخرفة في تزيين الكهوف ووشم الأجسام وزيّن بها الأواني والأدوات والملابس برسوم وزخارف ونقوش شتى، وقد قصد بها التجميل والتزويق.
فن الزخرفه في الحظارة الاسلاميه.:
..اتجه الفنان المسلم إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الأشخاص، وبعيدة أيضًا عن محاكاة الطبيعة، وهنا ظهرت عبقريته وتجلَّى إبداعه، وعمل خياله، وحِسَّه المرهف، وذوقه الأصيل، فكان من هذه العوالم عالم الزخرفة.

فإذا كانت صناعة الجمال هي وظيفة الفنِّ الإسلامي، فإن الزخرفة تُعَدُّ واحدة من الوسائل المهمَّة التي تصنع ذلك الجمال؛ فهي العمل الخالص الذي لا يُقْصَدُ به إلاَّ صُنْعَ الجمال، وهنا يلتقي شكلُ العمل الفني بمضمونه لِيُكَوِّنَا وَحدة متماسكة لِصُنْعِ الجمال ظاهرًا وباطنًا، الأمر الذي لا نكاد نجده في أي نوع آخر من الفنون.

الزخرفة العربية الاسلامية

للزخرفة العربية الاسلامية مزاياها وأشكالها الخاصة التي تميزها عن سواها من زخرفة غربية او آسيوية أو افريقية . ولا غروَ وان هذه الزخرفة المستمدة من تراث شرقي  عربي قديم غلب عليها منذ مجيء الاسلام الطابع الديني وما زال حتى يومنا . وهذا الطابع لا يخضع لمنظومة موحدة، خصوصاً وانه تطبَع بالاشكال والالوان والمواد المستعملة التي كانت سائدة في العالم الذي دخله الاسلام . وهذا العالم كبير يمتد من الصين حتى الاطلسي .

ترتكز الزخرة الاسلامية على اسس عميقة الجذور تنبع من الدين والتقاليد المتوارثة . وقد هدف البناؤون والفنانون المسلمون والعرب في اعمالهم الى ابراز خصوصية هذه التقاليد التي غلب عليها الاسلام منذ ان جاء . من هنا نرى العلاقة الحميمة بين الاسلام وفن العمارة والزخرفة وبناء المدن رغم الاختلافات السطحية او المناطقية التي نشاهدها . فهي بمجملها تعكس روحية الدين والخطوط الكبرى التي رسمها لحياة المسلم اجمالاً والعربي تحديداً . وكلها تعتمد ما اسماه بعض مؤرخي الفن الاسلامي السكينة والراحة الروحية والجسدية والتأمل والبساطة . ومن هنا نرى كم اعتمد فن الزخرفة الاسلامي على الالوان والضوء ووسع المساحات .

اما عناصر الزخرفة العربية الاسلامية فيمكن اختصارها بستة عناصر هي : الخط العربي ، الهندسة ، الرسوم الطبيعية ، الحيوانات ، الضوء والماء . وكلها عناصر جالبة للراحة والسكينة والهدوء اكثر من كونها تعتمد على العظمة الفردية كتصوير الاشخاص البارزين او العظمة المعمارية حيث ترتفع القصور الشامخة ودور العبادة الضخمة المزينة بكل انواع الرسوم والتماثيل ، والمدافن المرتفعة المقامة تخليداً للقابعين في الارض تحتها . وقد كتب في هذا المجال المعماري البريطاني أون جونز في القرن التاسع عشر ان المبدأ الاساس في فن العمارة هو زخرفة المبنى لا بناء الزخرفة . وهذا ما اعتمده البناؤون العرب والمسلمون. فنحن ، يضيف جونز ، لا نجد اطلاقاً زخرفة فاقدة الهدف او زائدة او غير ضرورية في الفن الزخرفي الاسلامي . إنها زخرفة طبيعية وواقعية .

ابرز عناصر الزخرفة العربية الاسلامية هو الخط العربي . فكل كلمة عربية ملفوظة او مكتوبة منذ ان نزل القرآن اصبحت كلمة الله ، وبالتالي اعتمدها الفنانون في اعمالهم الزخرفية او التجميلية . فما من بناء او صرح اسلامي يغيب عنه الخط العربي . فلا بد من آيات تكتب على المدخل وفي القاعات والغرف إن على حجارة البناء او الخشب المستعمل او في الرسوم. وغالباً ما تضاف الى الايات اسماء اصحاب البناء وتاريخ الانشاء والذين صمموا او نفذوا العمل . وقد يُكتفى احياناً بذكر اسم الله مكتوباً ومكرراً او اسم النبي مكتوباً ومكرراً .

العنصر الثاني هو الفن الهندسي الذي أدخل عليه المهندسون المعماريون العرب والمسلمون نماذج لم تكن معروفة او معتمدة قبلاً . وهذ النماذج والانماط تُظهر حب العربي او المسلم الى التناسق الهندسي والتكرار واستنباط انماط جديدة او استحضار الماضي البعيد السابق للاسلام. وليس من شك أن الفنان العربي عرف كيف يمازج بين المساحات والاجزاء وبين الجمال الهندسي والضوء واللون ، ان في العمارة نفسها او في الفرش الذي اعتمده .

اما العنصر الثالث ، أي الرسوم الطبيعية ، فالفنانون العرب والمسلمون اعتمدوا الى حد كبير في اعمالهم الزخرفية على الرسوم المنقولة من الطبيعة بدقة واتقان بارزين . فقد رسموا النباتات والازهار على الجدران والاقمشة واشياء اخرى عديدة . وقد برز هذا العنصر في ما سمي عالمياً بالارابسك او الزخرفة النباتية الهندسية التي تُظهر النباتات من اشجار وجنبيات واعشاب على طبيعتها من دون اضافات او تبديل . فنحن نرى شجرة نامية تتشعب اغصانها وتبرز اوراقها بألوانها الطبيعية وتتفتح ازهارها التي لا تذبل . 

لم يشجع الاسلام الفنان العربي والمسلم على رسم الانسان او الحيوان . لذلك لا نرى إلا القليل من رسوم يبدو فيها حيوان او انسان . فهذان المخلوقان المتحركان هما ، في ضمير المسلم ومعتقده ، من خلق الله وبالتالي يستحب تجنب اعادة خلقهما في الرسوم والاعمال الزخرفية .

اما الضوء فهو بالنسبة للمسلم عامة وللعربي بنوع خاص رمز الوحدة الالهية ، فضلاً عن ان الطبيعة التي يعيش العربي في كنفها تمتلىء نوراً وضوأً اكثر من اي طبيعة اخرى . من هنا كان الضوء عاملاً مهماً في الزخرفة المعمارية الاسلامية ، ان في شكل البناء وما يتخلله من فسحات كبيرة وفناءات ، وان في الداخل حيث غلبت الالوان الفاتحة او الزاهية في طلاء الجدران وفي الفرش من مقاعد وسجاد ومتكأات .

يغلب الحرعلى اكثر البلدان العربية والاسلامية . من هنا ركَز المعماريون وفنانو الزخرفة كثيراً على ان تشمل الماء ، بركاً داخلية او صوراً جدرانية للجداول والانهار ، المباني التي صمموها قديماً وحديثاً . فكانوا بذلك يتجاوبون مع تعطش العربي للماء . فاذا هو فقدها فعلاً بسبب شحتها فلا بأس ان يمتع النظر بزخرفة تجلب اليه هذه المسرة .
القواعد والأسس المتّبعة في الزخرفة:

التناظر والتكرار في الزخرفة
زخرفة بالإعتماد على الوحدات النباتية، ويظهر الشكل التشعّب من نقطة الوسط

للزخرفة قواعد وأسس مأخوذة من الطبيعة ومن الأعمال الزخرفية القديمة، وأهم هذه الأسس
التوازن

وهي قاعدة أساسية يجب توفّرها في كل تكوين زخرفي أو عمل فني زيتي، وهو يعبّر عن التكوين الفني المتكامل عن طريق حسن توزيع العناصر والوحدات والألوان، وهو قانون مستوحى من الطبيعة وما تحويه من كتل ذات سطوح ودرجات لونية في علاقات متّزنة ببعضها.
التناظر أو التماثل

وهو من القواعد المهمّة التي تقوم عليها بعض الزخارف الذي ينطبق نصفها على نصفها الآخر بواسطة مستقيم يُسمّى المحور والتناظر نوعان :
التناظر النصفي

يضم العناصر التي يكمل أحد نصفيها النصف الآخر في اتجاه متقابل وأبرز أمثلتها الطبيعة.
التناظر الكلي

وفيه يكتمل التكوين من عنصيرن متشابهين تماما في اتجاه متعاكس.
التشعّب

غالب التكوينات الزخرفية لا سيما النباتية منها تتضمّن التشعّب، وهو نوعان:
التشعّب من نقطة

وفيه تنبثق خطوط الوحدة الزخرفية من نقطة إلى الخارج.
التشعّب من خطّ

وفيه تتفرّع الأشكال والوحدات من خطوط مستقيمة أو منحنية من جانب واحد أو من جانبين كسعف النخيل ونمو الأوراق من فروعها، ونمو الفروع من سيقانها والسيقان من الجذوع.
التناسب

وهو من أهمّ قواعد الجمال فمجال الطبيعة يتمثّل بتناسب كل جزء للآخر، وليس له قاعدة إنما يتوقف على الذوق الفني، ودقّة الملاحظة وقوّة التمييز.
التشابك

وهذا النوع يظهر بكثرة في الزخارف العربية على شكل إلتفاف عادي، أو التفاف حلزوني، او التفاف ساقين من النبات بشكل متعاكس.
التكرار

وهي من أهم قواعد الزخرفة، ويوجد بكثرة في الطبيعة مثل أغصان الأشجار، والتكرار من أبسط قواعد تكوين الزخارف. و ينقسم إلى ثلاثة انواع:
التكرار العادي

وفيه تتجاور الوحدات الزخرفية في وضع ثابت متناوب.
التكرار المتعاكس

وفيه تتجاور الوحدات الزخرفية في أوضاع متعاكسة تارة إلى أعلى وتارة إلى أسفل، أو اليمين واليسار.
التكرار المتبادل

وهو استخدام واشتراك وحدتين زخرفيتين مختلفتين في تجاور وتعاقب الواحدة تلو الأخرة ويسمى أيضا التعاقب أو التناوب.
أما أبرز الفنانين في هذا المجال وخاصة من الجيل الجديد فراس الخطاط والفنان علي كاظم الخطاط محمد فالح و غانم فاضل