محمود الجاف 

 كانت آيات القُرآن الكَريم تنزلُ على النَبي مُحمد ﷺ من اجل بناء اسُس وقواعد المُجتمع الإسلامي وتُبين كيفية التعامل بينهُ وبينَ الصحابة او المُحيطين به . وتنمي فيهم روح الايمان والانتماء والحرص على حمل الدين ونشره وسَد الثغرات التي يدخُل منها الاعداء . وما أحوجنا اليوم إلى هذه التوجيهات الربانية في صد الهجمات الشرسة التي يقومونَ بها . يُساعدهُم في ذلك
أذنابهم المُندسين بيننا . كان المُنافقون ومازالوا إذا وقع خيرا او شيئا من القوة أذاعوهُ ونقلوهُ ليأخذ اعدائنا الحيطة واذا نزل بنا سوءا او ضَعفا بالغوا في تصويره فنزل قول الله ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ) النساء .83 ... نشروه حتى قبل أن يتأكدوا من صحته وهل من المصلحة اعلانه . قال تعالى ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) هكذا كانت الحرب النفسية مُنذُ القِدم سبباً مُهما من أسباب الانتصار ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحدث بكُل ما نسمع حيث قال ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) وحين سَرَت إشاعة انهُ ﷺ طلق نساءه ذهب اليه عُمَر وسألهُ : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ قال : لا . قال : فقُمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يُطَلِق رسول الله ﷺ نساءه ... لان هناك من يستمتع بنقل الإشاعات ويعتبر نشرها دليل على نجاحه كما يشيعون الان أن الإسلام قد باد ومات اهله أو يُحاولون ارهابنا بقوة أسلحتهم وكثرة اموالهم لانهُم يُريدون إلقاء الوهن في قلوبنا . 

تمُرُ امتنا الان بأيام عصيبة وحوادث خطيرة ولهذا لابد أن نعرف منهج القرآن في تقصي الخبر . قال تعالى ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) النمل ... جئتك بنبأ يقين من مصدره وليس نقلاً عن اخرين وإنما رأيت وسمعت . 

ان الاشاعة : هي خبر أو مجموعة من الاخبار الزائفة التي تنتشر في المُجتمع بشكل سريع ويتداولها العامَّة ظناً منهُم انها صحيحة . ودائماً ما تكون شيقة ومُثيرة للفضول وتفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها . وهي تُمثل جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها يوميا . وفي احصائية إن 70% من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلها من شخص إلى اخر واخطر انواعها هي : إشاعة الخوف أو الفزع : وهي عملية نشر شائعات مُروعة ومُبالغ فيها عن خطر وشيك . أو تكتيك لإثارة مخاوف العامة حول قضية ما عن عمد . وهي تسري بين الناس كالنار في الهشيم لأنها ترتبط بأمنهم وحياتهم ولان الخوف شعورا قويا يُمكن التلاعب به ومن خلاله لتوجيه الناس لاتخاذ خيارات عاطفية بدلاً من استخدام العقل . مثلا إعلانات السيارات التي تُلمح إلى أن وجود الاكياس الهوائية يُلحق الضرر الاقلَّ بعائلتك إلى المُطهرات التجارية التي تعرض البكتريا الكامنة فوق جميع الأسطح . والإعلانات الصادمة هي وسيلة إقناع فعّالة للغاية تزايد استخدامها حتى أصبح يُعرف باسم سباق التسلُح الذي لا ينتهي في مجال الإعلانات . والسُؤال المُهم هُنا هو . هل يُمكن ان يُؤدي الخوف الى المَوت ؟ 

نعم بكل تأكيد ... يقول العلماء : إن الناس عندما يشعرون بحالة من الخوف الشديد تقفز لديهم عوامل الاستجابة للمُؤثرات الخارجية بشدة . خصوصا عند مُواجهتهم تهديدات من وحش مُعتدٍ إما لمُقاومته أو الهَرب من مكان وجوده . وفي هذه الحالة يُعد اندفاع الأدرينالين استجابة لا إرادية يُسيطر عليها الجهاز العصبي اللاإرادي وعادة تكون مصحوبة بارتفاع في مُعدل ضربات القلب مع اتساع في حدقة العين وزيادة في تدفق الدم إلى العضلات .

إلا أن العلماء يُؤكدون أن زيادة مستويات الأدرينالين يُمكن أن تُؤدي إلى تلف القلب .

لأنه عند انطلاقه يتسبب في فتح قنوات للكالسيوم في داخل خلايا القلب الأمر الذي يسبب انكماش عضلته بشدة وفي حالة الهلع لا يتوقف عن التدفق وبالتالي فإن عضلاته لا يُمكنها الاسترخاء وقد يتطور الى عدم انتظام ضربات القلب المعروف باسم " الرجفان البطيني " . ويُؤدي في نهاية الأمر إلى انخفاض شديد في ضغط الدم وهو ما يفسر كون توجيه فوهة مُسدس إلى رأس شخص ما أو تنفيذ خدعة قاسية معهُ من المُمكن أن يُؤدي إلى حدوث أزمة قلبية حادة مما قد يحوّل موقفا مازحا إلى مُميت . والمثانة هي من الأعضاء التي تُصبح تحت ضغط أكبر ما يُؤدي عند البعض إلى التبول اللاإرادي . علما ان العَرَق الذي يفرزهُ الجسم لدى الإحساس بالخوف لهُ رائحة مُغايرة لرائحة العَرَق العادي . 

يقول ستيف تشاندلر ( إن الخوف يقتل منا أكثر مما يقتل الموت . فالموت يقتلنا مرة واحدة وقد لا نحس بها . لكن الخوف يقتلنا مرة بعد اخرى وبرفق أحياناً وبوحشية أحياناً أخرى وإذا بقينا نحاول الهرب من مخاوفنا فسوف تطاردنا كالكلب الذي يصر على مطاردة فريسته وأسوأ ما يمكن أن نفعله حيال هذا أن نغمض أعيننا متظاهرين بعدم وجودها ) 

اننا نموت كل لحظة حينَ نفكر في المُستقبل المجهول ... وعندما يكون في اي مكان في العالم مرض خطير وقاتل فسوف تلاحظ ان من بين الضحايا اشخاص لاتوجد على اجسادهم اثاره . 

هل تعرف لماذا ؟ 

لان الخوف هُو الذي قتلهُم . فايروس لايرى بالعين المُجردة اذلَّ كبريائكُم وآلهتكُم واسلحتكُم والتكنلوجيا التي صدعتُم بها رؤوسنا ومع كل ذلك . تُشركون وتكفرون . انا اراها رسالة من الله . لكن لمن يفهمها جيدا . لمُراجعة النفس ولكل منا في مكانه وزمانه ... والاهم من كل ما ذكرت ان نتثبت ونتأكد من كل شيء نسمعه قبل ان نتفاعل معه ونتأثر به حتى لانصبح كالكرة التي يتقاذفها الاعداء فيما بينهم . عيشوا حياتكم لأننا في الوقت الذي نختبئ فيه في الجحور المُظلمة يستمر غيرنا في الحياة والانجازات والنجاح والتطور وبث الامل والابتسامة . والموت الذي بتنا نخشاه الان هو بيننا 24 ساعة ولكن الوباء ذكرنا به فقط . فالنسيان هو اكثر الاشياء التي تقودنا الى المَعاصي ... ويكفينا منذ 2003 رؤية تلك الوجوه البائسة من السياسيين الذين جاءت بهم الدوائر الصهيونية والصفوية والتي يبدو فايروس كورونا بجوارها من الملائكة ...

قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) البقرة 

وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر ...