خالد محفوظ

لم يكن الصراع في العراق هذه المرة امريكياً ايرانياً ، بل كان وعلى نحو واضح صراع ايراني بحت بين مراكز القوى في طهران ذاتها ، فما بين رغبة الجيش التي حملها شمخاني إلى بغداد المتمثلة في تعيين عدنان الزرفي وواجهت رفضاً قاطعاً من الميلشيات العراقية الموالية لأيران وهي الأمر الناهي في بغداد ظهر فجأة قاأني القائد الجديد لفيلق القدس ليفرض اسم مصطفى الكاظمي على المشهد السياسي العراقي وهو ما وجد تجاوباً سريعاً من أتباعه الذين كانوا يرفضون وبشدة قبل أسابيع قليلة ترشيح رئيس المخابرات بل واتهموه بالخيانة والعمالة وغيرها .
لكن هل هناك صراع ايراني داخلي حقاً ؟ ام انها لعبة من طهران أرادت أن تظهر خليفة سليماني على أنه بنفس قوة سلفه وان ماعجز عنه شخصية عسكرية خبيرة ذات اصول عربية مثل شمخاني نجح فيه خلال يومين فقط قاأني ، وبالتالي هذا سيعطي هالة وتلميع لصورة الشخصية الجديدة القادمة من الظل .

المعادلة الأهم الآن هي الدور الأمريكي ، الذي يبدو أنه غائب او على الاقل غير مبالي بما يجري من تطورات سياسية في العراق بسبب انشغال الولايات المتحدة كما كل العالم بالحرب الصحية ضد فايروس كورونا وتداعياتها  .
مصطفى الكاظمي ببساطة خيار ايراني وما حصل من أليات التكليف التي ابتدأت بوصول قاأني إلى بغداد ثم اعتذار عدنان الزرفي عن التكليف ثم تغيير القوى المعترضة على الكاظمي وهي الموالية بشدة لأيران موقفها وتأييدها القوي والصريح لتسميته ، بل وحضورها تسلمه كتاب التكليف من رئيس الجمهورية بشكل شخصي ، كل هذا امثلة لا تقبل الدحض لأيرانية تعيين رئيس الوزراء الجديد والذي من المفروض أن يكون مؤقتاً يهيئ لأنتخابات جديدة غير أن الكاظمي لم يتطرق لهذه النقطة رغم أهميتها الشديدة في خطابه الأول الذي أعقب التكليف الرسمي ، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام !
سيفرض تأثير الجائحة الوبائية كورونا على الاقتصاد العالمي وحرب أسعار النفط الحالية الضغط على موازنة العراق إلى الحد الأقصى ، وقد يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة في بلد يعاني اصلاً من صعوبات ومشاكل جمة إذا استمرت هذه العوامل لمدة طويلة .
وفي حين أن هذه الصدمات غير الاعتيادية لم تكن مأخوذة بالحسبان، بيد أن الخلل الهيكلي في الموازنة العراقية كان سيؤدي حتماً ومن الاساس إلى أزمة اقتصادية، والسؤال الوحيد الذي يفرض نفسه هو متى ستحدث هذه الأزمة ؟
بالنظر إلى علاقة العراق المتوترة مع الولايات المتحدة بسبب تصرفات الفصائل المسلحة الموالية لايران فمن المتوقع ان يحدث تغيير في موقف صندوق النقد الدولي تجاه العراق وهو ما يعني صعوبة الاقتراض لسد العجز ولو بشكل جزئي مما سيطرح تحدياً واسعاً وخطيراً أمام الكاظمي الذي لا يمتلك أي خبرات لا علمية ولاعملية اقتصادية او مالية خصوصاً وان أساس الأحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر الماضي وتحولت إلى ثورة شعبية عارمة كان بسبب لقمة العيش والبطالة وعدم قدرة الحكومة التي كان يقودها رجل اقتصاد متخصص في إيجاد الحلول ولو بحدها الأدنى مع أسعار نفط تبلغ ضعف الأسعار الحالية .
يكشف انخفاض أسعار النفط عن الخلل الهيكلي للموازنة، إذ لا تغطي الإيرادات المتوقعة الإنفاق الحالي، الذي يتكون في معظمه من الرواتب، والمعاشات التقاعدية، والإنفاق على الرعاية الاجتماعية. وزادت هذه النفقات من 50% من جميع النفقات التشغيلية في عام 2004 إلى ما يقدر بـ 81 % في عام 2019، ومن المرجح أن تتجاوز 85% في عام 2020. وعلى هذا النحو، سيكون الخيار الافتراضي للحكومة هو إلغاء جميع الإنفاق الاستثماري، ولاسيما غير النفطي، واللجوء إلى الاقتراض. وقد سمحت مثل هذه الإجراءات في الماضي للحكومة بمواصلة العمل، ولكنها جاءت بتكلفة كبيرة على الاقتصاد الذي ظل يرواح في مكانه مع ديون ليست بالقليلة .
هذا في الجانب الاقتصادي فقط ، ماذا عن الجانب السياسي ، الأمني ، الصحي ، السلاح المنفلت ، النازحين ، وغيرها من الملفات الساخنة التي تشغل بال المواطن العراقي وهي تحديات ليست بالسهلة مطلقاً .
قلناها سابقاً ونقولها اليوم ، لن يحدث أي تغيير في بغداد بتبديل الأشخاص وإنما بتغيير المنظومة والولاءات وحصر الانتماء للعراق فقط وغير ذلك لايعدو عن وعود تنفذ في الثلاثين من شباط .