عمر سعد سلمان     
     
ان بذور الثورة الخضراء كانت يمكن ان تكون جزءاً من مثل هذه النظرة. فالبذور الجديدة وحاجتها الى عناية أكبر، واستخدام أكبر للأسمدة تملك إمكانية خلق فرص عمل أكثر. لكن القوى التي بدأت الثورة بدأت كذلك في معظم البلدان عملية مكننة قللت العمالة
إذا لم تكن التكنولوجيا الأجنبية واسعة النطاق ضرورية لزيادة الإنتاج، فلماذا يتزايد توريدها الى الدول المتخلفة؟ ان 4% من الزراع الهنود يمثلون 96% من ملاك الجرارات في الهند. ومع انهيار الروابط التقليدية التي حفظت تماسك المجتمعات الزراعية، يتلهف كبار الملاك على التخلص من كل مستأجريهم حتى يحتفظوا بنصيب أكبر من الأرباح. والمكننة تفتح لهم الطريق، كما ان الكلام البليغ حول كفاءة المكننة يعطيهم المبرر
وقد وجد كبار الملاك في المكننة طريقة للتهرب من متطلبات الحد الأدنى للأجور مثل قانون الحد الأدنى للأجور الزراعية في ولاية كيرالا في الهند. كذلك تتيح المكننة للزراع الأكثر ثراء، ان يزيدوا من حيازتهم المزروعة. فطالما تعتمد مزرعة على العمال، تكون هناك حدود لحجم الملكية التي يمكن للمالك ان يشرف عليها بكفاءة. لكن الآلات تجعل من الممكن زراعة الأرض بأي حجم، علاوة على ذلك فالسيطرة على الآلات أسهل من السيطرة على البشر.
وقد بدأت الشركات الزراعية العملاقة، مع تشبع أسواقها المحلية، البحث في ستينات القرن الماضي عن أسواق جديدة، خصوصاً في الدول المتخلفة. ولم يحدث هذا التوسع السريع دون مساعدة أصدقاء أقوياء النفوذ. فحكومات البلدان الصناعية مباشرة او من خلال وكالات القروض الدولية مثل البنك الدولي، تقدم المساعدة الزراعية الأجنبية غالباً على شكل قروض لاستيراد الآلات.
وقد قدمت حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي قروضاً ضخمة لباكستان لمكننة الزراعة. وقدم البنك قروضاً مماثلة للهند والفلبين وسريلانكا
ان من يروجون للمكننة الواسعة النطاق كإجابة على مشكلات النامية يروق لهم ان يطرحوا هذا التحدي انظروا الى الصين، ان الزراعة الصينية بدآت مع المكننة بصورة ضخمة. أليس ذلك درساً لبقية العالم الثالث؟
هذا الرأي صحيح بمعنى واحد: فهناك درس هام هناك: الا انه ليس ان المكننة الواسعة النطاق هي الإجابة في البلدان المتخلفة فالدرس هو ان المشكلة ليست في المكننة في حد ذاتها. وانما المشكلة هي من يمتلك الآلات
فحيث يملك العمال أنفسهم الآلات، كما في الصين، ستتقدم المكننة لان العمال يودون بالطبع التخفيف من عناء عمل الحقل الذي يقصم الظهر. والهدف في الصين هو تصفية (العقد الثلاث) – نزع الحشائش، وزرع الشتلات والحصاد. ونتيجة المكننة ستكون حياة أفضل للزراع وليس بطالة ومن الأسباب التي جعلت أولوية عالية في الصين انهم بحاجة الى قوة العمل لتوسيع المساحة المزروعة ولتطوير ونشر شبكة الري. ولذا فان المكننة الزراعية التي تحرر العمل من اجل تلك الاعمال الهامة تساهم في رفاهية المجتمع الصيني ككل وليس في الربح الخاص.
ان الصادرات الزراعية من بلد يجوع فيه الكثيرون هي بدرجة كبيرة انعكاس للمشكلة وليست المشكلة نفسها. فحتى لو توقفت كل الصادرات الزراعية سيظل هناك جوعى-أولئك الذين يظلون مستبعدين من السيطرة الفعلية على موارد بلدهم المنتجة للغذاء
ان التركيز على الصادرات في بلدان يجوع فيها الكثيرون يعكس افقار قسم كبير من السكان المحليين ومصالح النخبة. ورغم ذلك فان التركيز على الصادرات قوة فعالة. فحيث تسيطر قلة على الأصول الإنتاجية، تؤدي زراعة التصدير الى زيادة الوضع المتدهور للأغلبية حيث

-  تجعل من الممكن للنخبة المحلية الا تقلق بشأن الفقر المحلي الذي يحد بدرجة كبيرة من القوة الشرائية للسكان المحليين. فزراعة التصدير تعني ان بإمكان النخبة ان تربح في كل الأحوال بأن تجد مشترين في أسواق اجنبية مجزية

-   تستلزم ظروف عمل واجور بائسة فالبلدان المتخلفة لا تستطيع المنافسة في أسواق التصدير الا باستغلال قوة العمل

ورغم ان التجارة الدولية ليست هي العدو في حد ذاتها فان السؤال الحقيقي هو التجارة لصالح من. ان أحد الشروط الحاسمة هو ان احتياجات الغذاء الأساسية يجب تلبيتها محلياً. فالاعتماد الغذائي الأساسي على النفس لمنع المجاعة في حالة قطع مفاجئ للواردات الغذائية – هو الشرط الذي لا غناء عنه لأمن شعب من الشعوب. علاوة على ذلك، فما من بلد يستطيع المساومة بنجاح في التجارة الدولية. طالما ظل يسعى يائساً لبيع منتجاته حتى يستورد الغذاء لمنع المجاعة. وبدون الاعتماد الغذائي الأساسي على النفس، فان الاعتماد المتبادل الذي يحظى بالمديح الوفير، لا يصبح سوى ستار دخان للسيطرة الغذائية لبلد على آخر.