عمر سعد سلمان                                  

من المؤكد انه ليس مما يساعد شعوب العالم الثالث ان تكون لهم عائلات كبيرة، أليس كذلك؟ الا يزداد فقرهم وجوعهم كلما زاد عدد أطفالهم؟ هذان السؤالان يوحيان بأن الناس في البلدان المتخلفة يريدون العائلات الكبيرة نتيجة الجهل بمصالحهم. لكننا وجدنا ان الأسباب التي تدفعهم الى زيادة حجم عائلتهم تعكس عجزهم وبؤسهم وليس جهلهم
فمعظم عائلات العالم الثالث ريفية. وعادة ما يعتمد البقاء بالنسبة لهم على ان يكون لهم أطفال يكسبون طعاماً او دخلاً اضافياً للعائلة ويتيحون تأميناً أدني للشيخوخة للآباء. ففي سن الـ 45، يكون في الدول المتخلفة عجائز ومستنفذين. وبخدمات غذائية وصحية فقيرة او غير موجودة، يعرف الآباء جيداً ان أطفالهم يموتون عادة. ويكون إنجاب أطفال إضافيين هي الطريقة الوحيدة لزيادة احتمال ما يكفي منهم
قد لا يصدق من يعيشون منا في مجتمعات صناعية حضرية ان أي طفل يمكن ان يكسب أكثر مما يستهلك لكن الديمغرافيين حسبوا ان طفلاً ريفياً في سن الثامنة يمكنه ان يجلب للعائلة ربحاً صافياً من الغذاء او الدخل. فالأطفال مثلاً، يرعون الحيوانات، ويجلبون الماء، والحطب، والروث، ويلتقطون بقايا الحصاد، ويقطعون الأعشاب
قد يرى اغلبنا ان هؤلاء الأطفال – وبالتأكيد الأمهات اللاتي يتحملن عبء الحمل والولادة مرات عديدة-مستغلين. لكن طالما يبقى النظام الاجتماعي العائلة المنعزلة كوحدة باعتبارها الأساس الوحيد للعمل المنتج والامن، فليس هناك امل كبير في التغيير. هذه هي الحالة بوضوح، مع اعتبار ان اغتصاب الموارد من قبل القلة ذات النفوذ لا يترك لأغلبية العائلات سوى القليل من الأرض او لا يترك لها شيئاً على الاطلاق سوى الاعمال البائسة الاجر.
بالنسبة لكل واحدة من العائلات، يحدد عدد الأطفال عدد العمال التي يمكنها تشغيلهم لتكسب قوتها. فاذا لم يكن لدى العائلة ارض او كان لديها القليل منها، فان دخلها يعتمد عدد الأطفال الذين يمكن استئجارهم كعمال في حقول الآخرين. وإذا كانت العائلة تحيا على زراعة ارض عائلة غنية، فكلما زاد اطفالها، زادت الأرض التي تحاول استئجارها لفلاحتها. كذلك ترى العائلة الفقيرة التي تملك بعض الأرض من الأطفال ثروة. ولخص فلاح هندي الأمر بالطريقة الاتية (الغني يستثمر في آلاته. ولا بد ان نستثمر نحن في أطفالنا). فالأطفال في الريف هم تأميناً بديلاً ضد الشيخوخة

لقد بدأ الكثير من التدمير الحالي للنظام البيئي في البلدان المتخلفة مع الاستعمار. الى مضاعفة العبء على الأرض وأدت المزارع الكبرى التي أقامها البريطانيون والأسبان وغيرهما من القوى الاستعمارية، فأولاً، نزعوا ملكية أفضل الأراضي للزراعة المستمرة لمحاصيل التصدير. وثانياً، كانوا يدفعون الزراع المحليين الى أراض هامشية، ومنحدرة عادة، لا تصلح مطلقاً للزراعة الكثيفة. وسرعان ما أفسد التآكل الأراضي التي كان يمكن ان تفيد في الرعي او التشجير او كان يمكن استخدامها في التنزه. هذا العبء المزدوج-زراعة المحاصيل التجارية للتصدير وحشر غالبية الزراع في أراضي معرفة للتآكل – يتزايد اليوم.
ان تآكل التربة يحدث غالباً بسبب احتكار قلة للأراضي الخصبة، مجبرين اغلبية الزراع على الافراط في استخدام تربة معرضة للخطر. وأكثر من ذلك فان افقار التربة ينتج ليس عن جهد لتلبية احتياجات الغذاء الأساسية لسكان يتزايدون بل ينتج بصورة متزايدة من ضغط الزراعة الدائمة لمحاصيل التصدير الترفيه وغير الغذائية فوق مساحات ضخمة مع اغفال الأساليب التقليدية التي كانت تحفظ التربة من قبل.