عمر سعد سلمان
  
قد يكون من الأشياء التي تسبق الضيق ان يشعر المرء بأن لديه بديلان كلاهما مر، وهو ما كان قدماء الاغريق يطلقون عليه مصطلح (قرني المآزق)، فقد كان الامر بالنسبة لهم اشبه بمواجهة ثور مهاجم، فأيا كان القرن الذي تمسكه، فسوق يخترقك القرن الثاني لا محالة
وفي وجهة المآزق فانه من المفهوم ما يشعر به من يفكر بأسلوب البديلين من عدم امان. يلقي بعض الناس أيديهم ويستسلمون في حين يقبض آخرون على أحد قرني المآزق ويهاجمون الجميع، ونظراً لهوسهم بأن يكونوا على صواب، بأنهم يبدون دفاعاً عن كونهم على صواب وفي الوقت نفسه ينزفون من الجرح، في حين يختار آخرون قرناً ليموتوا عليه لأنهم يشعرون بأنه لا بد لهم ذلك، وهم لا يستطيعون ان يروا بديلاً ثالثاً

اننا غالباً ما نفشل في إدراك اننا نواجه مأزقاً غير حقيقي – وهذا سيء جداً لان الحقيقة ان معظم المآزق غير حقيقية. اننا نرى المأزق في كل مكان. تطرح استبيانات الرأي أسئلة مثل (هل تناصر الجمهوريين ام الحل الذي يقدمه الديمقراطيون؟) (هل اجراء البحوث على الحيوانات خطأ ام صواب؟) (هل تناصرنا ام تعارضنا؟). ان هذه الأسئلة لا تجعلنا نتجاوز التفكير بأسلوب البديلين. هناك بدائل تتجاوز الحدين المتطرفين للازمة بصورة شبه دائمة للجميع باستثناء من يفكرون بأسلوب البديلين، ونحن قلما نسأل أنفسنا ان كان هناك حل أفضل-أي بديل ثالث، فليس هناك أي استطلاع رأي يطرح ابدأ هذا السؤال.  
ومن الاستجابات للمؤسفة للتفكير بمنطق البديلين الكف عن الامل، ففي أي جدل كبير يوجد وسط عظيم للناس الذين لا ينتمون الى أحد قطبي الجدال، وهؤلاء عادة ما يتم تجاهلهم من قبل المتطرفين في التفكير بأسلوب البديلين. ان هؤلاء يؤمنون بروح فريق العمل والتعاون ويرون وجهة نظر الطرف الآخر، ولكنهم لا يرون إمكانات البديل الثالث. انهم لا يعتقدون بوجود حلول واقعية لصراع مع الرئيس في العمل مثلاً، او لحياة زوجية تعاني مشاكل، او لقضية في المحاكم او للصراع بين فصيلين سياسيين. ان لسان حال هؤلاء يقول اننا لسنا متوافقين ولسنا متناغمين، وليس هناك حل. انهم يؤمنون بالحلول الوسط والتنازلات، وهذا هو اقصى ما يأملونه. وقد أصبحت للحلول الوسط سمعة جيدة، وربما تمنع تفاقم العديد من المشاكل.
تعرف المعاجم طرفي الحل الوسط على انهما (يذعنان او يضحيان او يتسلمان) فيما يخص مصالحهما الخاصة بغرض التوصل لتسوية. وهذا الأسلوب يسمى الموقف الذي يخسر كل اطرافه في مقابل الموقف الذي يفوز كل اطرافه. ربما خرج الطرفان من الحل الوسط ولدى كل منهما شعور بالقبول، ولكنه لن يخرج منه ابداً بشعور بالسعادة، حيث تضعف العلاقة بينهما وغالباً ما تثور بينهما الخلافات من جديد. ولأنهم يعيشون في عالم تسيطر عليه خسارة كل الأطراف، فان يوجدون في الوسط العظيم لا يأملون في الكثير، واغلب هؤلاء هم أولئك الذين يناضلون في وظائفهم الصعبة عاماً بعد عام ولا يسهمون الا بالقليل من أنفسهم وقدراتهم، ويغلب عليهم ان يروا العالم من منظور العصر الصناعي القديم، حيث يكتفون بالذهاب الى أعمالهم وأداء العمل بطريقة آلية كما هو المطلوب منهم دون محاولة لتغيير العالم او صناعة مستقبل جديد. انهم لاعبون جيدون، ولكنهم ليسوا ممن يغيرون أسلوب اللعب، ولا يطلب منهم أحد أي شيء آخر، ولا شك ان شعورهم بالتشاؤم هو دفاع مفهوم ضد التفكير بأسلوب البديلين. وتتمثل استجابتهم الصامتة عندما ينحصرون في حرب للسيطرة، سواء في العمل او في صراع مع افراد اسرتهم (فلتحل اللعنة على كلا الطرفين)، وهم يشعرون بتوجس فور حدوث أي تغيير في القيادة او ظهور استراتيجية جديدة. ان جملة (لتسقط الأساليب القديمة، ومرحباً بالأساليب الجديدة. ستصبح مؤسستنا سريعة وعالية الأداء!) من القيادة تمثل لهم معنى: (الا تتفقون معي انه سيكون من الجيد منك ان تتخلى عن الحوافز/تقبل تخفيض راتبك/تقوم بعمل موظفين حتى يتحسن الأداء العام للشركة؟ الا تتفق معي على ان كل شخص عليه ان يضحي قليلاً؟). انهم يوافقون بالتأكيد، ولا يستشارون ابداً، بل ينظر إليهم على انهم قطع يمكن تغييرها، وقد تعلموا منذ زمن طويل الا يتحلوا بالأمل. ومع ذلك فغالباً ما تتمثل النتيجة الجزئية للوسط العظيم في انتشار سرطان الشك واليأس، حيث يصبح كل شخص يتحلى بالحماس محل شك، ويسود الاحتقار للأفكار الجديدة، وتسبب كلمة (التعاون الإبداعي) حساسية.