وسام رشيد الغزي

 

دعا رئيس مجلس النواب قبل أيام الى إعادة العوائل النازحة للمناطق المحررة من سطوة التنظيمات الإرهابية دون تأخير، ويبدو إنَّ الدعوة جاءت استكمالا لتعهداته السابقة بإغلاق هذا الملف بعد انتهاء معارك التحرير وعودة الحياة بشكل تدريجي لجميع المحافظات التي كانت تحت سيطرة داعش الإرهابي  لعدة سنوات.

 

والأهم في هذه المرحلة الدقيقة من تأريخ البلاد، هو إن الدعوة الجديدة للبدء بحوار وطني التي اطلقها السيد الحلبوسي، تمتلك خصائص جديدة تختلف عن الدعوات السابقة، فله صفات القدرة وهذا ما أثبتته بعضٍ من مواقفه إزاء مطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام، فنالت تلك المواقف جانب كبير من الثقة، وربما بعض الدّعم.

 

والصفة الأخرى هي سمات الاقتدار، كونه رئيس مجلس النواب، الجهة المسؤولة عن تشريع متطلبات العدالة الاجتماعية، خاصة بعد أن أخذ رئاسة المجلس دوراً ريادياً بمساحات عمل إضافية لم تكن ضمن حسابات الرئاسات السابقة للمجلس، فالالتصاق والتدعيم لجهد بعض أجهزة الدولة التنفيذية عززت بشكل مباشر تلك القدرات، وأضافت مزيداً من أدوات الحركة، وأعطت دفعاً معنوياً كبيراً لأعضاء المجلس، في البدء بملف النازحين في العراق وهم آلاف العوائل الهاربة من نيران الموت إبان المعارك. وقبل اندلاع الحرب ضد الإرهاب، حيث كانت ترزح هذه العوائل تحت ظلم وتغطرس عناصر همجية تحكم بايدلوجية منحرفة، تتصرف على وفق أحكام شاذة وخارجة عن المبادئ الإنسانية، وسياقات التعامل البشري بين الأفراد والمجتمع، فاضطرت للنزوح باتجاه مناطق مجاورة آمنة في بغداد وكردستان وبعض مناطق الفرات الأوسط.

 

تعدى مرحلة الضرورة الانسانية، رغم الوضع غير الملائم بل المأساوي في المخيمات التي تم إنشاؤها لإيوائهم في مختلف المحافظات العراقية، وخارج المخيمات أيضاً، فتحوّل قضية إرجاعهم لمادة دسمة لحملات المُرشحين في مناطق النزوح، مُستغلين رغبتهم الملحة في العودة لحياتهم الطبيعية للكسب الانتخابي، الذي يدخل طيّ النسيان حال الفوز أو الخسائر.

 

مرت أعوام طويلة على جزء من أبناء الشعب العراقي، تعرضوا لاستهانة واستخفاف بمطلبهم الشرعي القائم على إنصافهم بالعودة وضمان حياة كريمة لأبناهم، هذه الأعوام مرّت عجافاً على كل العراقيين، وبمختلف المناطق، فكانت كفيلة أن تزوّر العهود الحكومية، بحسم هذا الملّف، والتفرّغ لبناء الدولة على أسس المواطنة، وبمنظور المصلحة العامة، وطيّ صفحة الماضي الذي ذاق مرارته كل العراقيين بلا استثناء نازحين كانوا أو غير ذلك.

المصالحة الوطنية تتطلب مصارحة، وهذه تستوجب حواراً يعصف بجميع هواجس المتضررين الذين ذاقوا الأمرين بمختلف المناطق والمدّن العراقية(ساخنة كانت أو مُستقرة)، حوار يعتمد الصراحة، والتشخيص الدقيق للأخطاء، والشجاعة في الطرح، ونكران الذات، والحديث بأفق وطني واحد، يسموا على المذهبية التي تُميّز الكثير من ألسِنة الساسة، حتى وهم يتحدثون ضمن الإطار الوطني.

 

الغاية من هذا حوار هو لغرس مبادئ للانطلاق في مسيرة بناء الفرد العراقي(كعراقي) بعيداً عن المناطقية، والفئوية، التي يستمتع الكثير من أصحاب السلطة بإبرازها فوق الهوية الوطنية الشاملة، حتى وهم يتغنون بحب العراق الواحد، كفيلٌ أن يضع البلاد على سكة التقدم، فقد أثبتت التجارب بأننا قادرون على التجاوز والنسيان، والشروع بتمرير الجِراح التي تسببت بها سياسات غير مسؤولة، لم يجنِ منها (عموم الشعب) سوى الخراب الدمار والتخلف.