فائزة محمد علي فدعم
 
استيقظت فجراً ولم أستطع النوم
 
فتحت الباب ومشيت إلى حديقتي وكان لدي متسعاً من الوقت للتأمل والتفكير فاختلط عليَّ القديم والجديد .
 
كنا نستيقظ على صوت الراديو ونسمع ساعة بك بن ونضبط ساعاتنا اليدوية والجدارية عليها وأم كلثوم تصدع صباحا (الكروان غنى وصحانا)
 
كان الراديو موضوع على الطاولة وتحته سندانه فيها طين نضع فيها السلك حتى نسمع بث الراديو بوضوح وكذلك صوت أم القيمر وسمحه اليهودية تطرق الباب وهي تنادي (بيض عرب) ورائحة شوربة الهرطمان التي تفوح من بعيد ...
 
كنا نضع الخبز تحت السلَّة وفوقها طابوقة خوفا من توم وجيري الضيوف الدائمين ...
 
امس كتبت منشورا عن التعيين الإلزامي فاستذكرت ...
 
شتراوس والدانوب الأزرق
 
والسمفونيتين الخامسة والتاسعة لبيتهوفن
 
والسيمفونية الاربعين للموسيقار النمساوي موزارت
 
التي أقتبس منها الرحابنة لحن اغنيه يا انا يا انا انا وياك لفيروز
 
وباخ وموسيقاه كلافيير جيد المزاج
 
أين العمال الذين كانوا يصطفون بالعشرات صباحا على جوانب نهر خريسان
 
ودكان الهريسة في نهاية الشارع (دربونة العروسة قرب صالح الزهيري )
 
أين مركب الأسنان جواد عناد وأحمد أبو العروسة
 
أين خان قاسم عكلاني الذي كانوا يحضرون فيه الطعام للسجناء ومقابله بيتهم
 
والحاج حسن الطرشجي اخو القابلة المعروفة مكية
 
أين صناعة طرح وطعمه وجاره الحاج إبراهيم أبو الكباب الذي كنا نذهب إليه عصراً في صغرنا لشراء الكباب بثلاثة دراهم مع الطرشي بدرهم وندخل الدربونة التي فيها بيت أم السيد جاسم دبدب وبيت اليهود وبيت عبد اللطيف النصار والسيد جسام عرب وكذلك دكانه ... وبيت ملا فاطمة بنت أحمد الصغير وفي مفترقها كان هناك بيت مهندس الري السيد عبد القادر أبو دريد ومقابله بيت أبو غازي وفيصل بابان وبجوارهم السيد منصور الكهوجي وبيت السيد نوري عبد الحسين حتى نصل الى بيت حجي شكر ونذهب إلى الشارع ونعبره يسارا وصولا إلى البريد القديم لنرسل برقية مستعجله لأحد الأصدقاء . ما اجمل نعم الله ...
 
ثم نعرج فيها لأعلى التسلسل الدكتور صادق ابو التمن وصيدلية حبيب فتح الله ومكوى جمهور مهدي الدليمي وبيت الاودجي ومحل قدوري رشيد ومحل الصائغ الذي كان عندما يذهب لزيارة أهله في الموصل ويأتي بكيس من الذهب يضعه أمانة لدى والدي ...
 
أين مصطفى جواد (قل ولا تقل ) والدكتور علي الوردي صاحب السدارة الملكية التي لم يخلعها حتى وفاته ومحمد بهجت الاثري وقصيدته المشهورة (لي غاية ابتغيها ... الخ)
 
أين البعثات إلى الخارج
 
أين المكتبة المملؤة بروادها واستعارة الكتب التي كنا نتلهف على قراءتها لأن علينا اعادتها وبائع السبح الجالس قربها وأين عبد الوهاب البياتي ومظفر النواب والاستعراض السنوي في يوم الشجرة والتمارين السويدية صباحا ونشيد يا ركبنا نلت المنى فكلنا سحر ونور
 
ياسعدنا غني لنا ياروضنا هات الزهور
 
أين بطل الدراجات عبدالستار الذي كان يخرج يوميا فجرا للتدريب
 
وقاعة مدرسة الوثبة التي كانت تعرض فيها المسرحيات التاريخية وعندما يستل البطل سيفه تضج بالتصفيق ...
 
وليلة الجمعة عندما تخرج النسوة الى الشط وتضع الشموع على كربة من النخيل وتدفعها في الماء وصيد السمك وسبيح ألمي وهو بالعشرات يطفوا فوق الماء في نهر خريسان ...
 
أين القراءة ليلا على الفانوس ورغم ذلك كانوا يحصلون على أعلى النتائج
 
أكثر آهل مدينتي مبدعون ومثقفون يشغلون مناصب عليا
 
أين المتمرسين في الجيش والشرطة
 
أين وأين وأين
 
هذه أفكاري الصباحية التي جاءت غربا وشرقاً
 
ابتسم الضحى ورحلتُ من مكاني مع الذكريات الجميلة ودخلت البيت