وسام رشيد الغزي


حق الانتخاب، وما يترتب عليه من تكوين مجلس النواب ومن ثم الحكومة ووضع برامجها، يعدُّ ضرورة دستورية وقانونية للمواطن، إلا إن هناك عدة اشتراطات وقواعد لضمان نتائج بعيدة عن التحريف، والضغوطات، والإملاءات، وفي مقدمتها توفير أجواء أمنية مناسبة على مختلف الحركات والأحزاب والتيارات المتصدرة للمشهد السياسي، دون أن يكون لأحدها الغلبة والتصدر على الآخر بفعل تشكيل عسكري أو تنظيم ميلشياتي خارج عن الضوابط التي الزمتها مواد الدستور.
 وقد نظم الدستور بشكله العام آلية تشكيل القوات المسلحة والساندة لها، وتبعيتها، وشدد على أن تكون جميع التشكيلات ضمن أطار القيادة العامة، لضمان سيادة الدولة، ولتوفير مناخ أمني عادل بعيداً عن التلوين السياسي لأبناء الشعب الواحد، ويعدُّ ذلك من المقدمات المهمة والضرورية قبل الإعداد لأي إجراء انتخابي وذلك من أجل إبعاده عن جميع التأثيرات المتوقعة التي تسبب ، من ثم، خللاً في بناء الدولة، وخطأ يترتب عليه تشكيل حكومة (ناقصة الشرعية) في ظل أجواء سياسية مشحونة، تفتقد لمقومات الثقة في التعامل والأداء بين مختلف الفرقاء السياسيين.
 الاستحقاق الإجرائي لتنظيم انتخابات عادلة في العراق، يتطلب مناقشة وضع جميع التشكيلات العسكرية الساندة للقوات المسلحة بعيداً عن التشنج، وطرح رؤية وطنية غالبة وعابرة لكل الانتماءات الفرعية، والعمل على بناء مؤسسات قادرة على القيادة، ووضع أسس تقنية، ووضع تلك التشكيلات يما يتناسق مع اشتراطات الدستور الذي يعدُّ العقد الاجتماعي والسلطة القانونية الأعلى والمتفق عليه في تنظيم الحياة السياسية في العراق. كما يجب عدم التمايز في مناقشة هذا الوضع بين تشكيل وآخر، لمصلحة المواطن العليا.
 يعدُّ وضع الأسس القانونية لتواجد بعض الفصائل والألوية التابعة للحشد الشعبي أو غير المنضوية تحت القيادة العامة للقوات المسلحة، أحدى تلك الاشتراطات التي تقود بالضرورة لترتيب انتخابات عادلة، تتحقق من خلالها مصلحة البلد، وهذا يتطلب جرأة وحيادية وحزم من قبل الحكومة الحالية، فالاستحقاق الانتخابي ليس مقدساً بقدر توفير الآلية العادلة لإجراء تلك الانتخابات، والبيئة المناسبة التي ينبغي توفرها قبل الانتخابات أهم من إجرائها دون وضع الحدود الدستورية والقانونية، لوضع تلك التشكيلات العسكرية، بصورة مؤسسات دولة.
 كما ونظم الدستور بالفقرة الخامسة من المادة 121، على إنشاء وتنظيم قوى أمن داخلي للأقاليم (حرس الإقليم)، مع التشديد على أن يُراعى التوازن والتمثيل لجميع أبناء الشعب العراقي دون أي تمييز، كما ورد في المادة التاسعة الفقرة أولاً (أ) والفقرة (ب) التي تقضي بحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار الدولة التي تمثلها القوات المسلحة، والأمر ينسحب على جميع القوات والتشكيلات بكافة المناطق من أرض العراق.
 وحرّمَ قانون الاحزاب رقم 35 لسنة 2015 تأسيس حزب له جناح مسلح، وعده خرقاً دستورياً، مع تجريمه أيضاً ممارسة الاعمال التجارية لتلك الأحزاب التي تروم الدخول بالعملية السياسية من خلال الانتخابات، والهدف هو وضع جميع الكيانات والتجمعات السياسية في مضمار واحد لضمان الشفافية وصولاً لتحقيق العدالة الاجتماعية بعيداً على الإقصاء والمشاركة الفعلية ضمن أدوات السلطة المنبثقة من الاقتراع.
 إن تهيئة ظروف تساعد على إجراء انتخابات يستوجب ردم تلك الثغرات القانونية، ووضع مسارات منطقية للتجربة الديمقراطية، وتعزيزها من خلال تطبيقات عملية جادة، دون إغفال لعامل الوقت، فالذهاب للانتخابات مطلب شعبي مُلِح منذ شهور، لكنه لن يكون ذو جدوى ولن يساهم بحل مشكلات العراق والخروج من الأزمات المتراكمة مالم يكلل بالالتزام بالمبادئ الأساسية التي أقرها الدستور، وعلى رأسها تعزيز وضوح ملامح صورة المنظومة الأمنية والعسكرية في العراق بشكل نهائي وتام.