علي العوادي
 
تطرق مسامعنا يوميا آلاف الكلمات من خلال تعاملنا مع الآخرين في اماكن مختلفة ، منها اماكن العمل  أو تواجدنا في الأسواق والأماكن العامة أو حتى في سيارات الأجرة او من بعض الضيوف الكرام ممن يحبون الكلام دون أن يتركوا للآخرين اية فرصة للاجابة أو المشاركة في الحديث ، وبالطبع الناس مختلفون  ، فهذا قليل الكلام لا ينطق الا بعد ان يوسئل وان نطق فكلماته كقطرات ندى تتناثر على ورد الصباح ، وذاك  محلل سياسي متقلب الراي اينما مال الهوى مال ، وآخر يشكو همه إلى الشخص الجالس بجانبه دون مقدمات اوجود علاقة شخصية بينهما ، وهذا واعظ ديني والدين منه براء ، اما نحن فسنكون مجبرين على سماع ما يقال ولسنا مخيرين سواء أكان الكلام غث أو سمين ، وقد لا نجد فرصة للاشتراك  في حديث اعاده صاحبه مرات ومرات وبحماس وكأنه يرويه للمرة الاولى ! ، وهنا يبرز الدور المنقذ لكلمتي (نعم ، لا) ، فعندما نقع في ذلك  المازق الخانق  لا مجال لدينا سوى أن نردد - وباستحياء - بين حين وآخر: نعم ... لا...نعم نعم...  حتى يشعر المتكلم المسترسل بأننا مهتمون بوجوده وبحديثه  الذي علمنا بدايته ولا نعلم متى وكيف ستكون خاتمته ،  وقد نقع في احراج شديد عندما يطلب منا ذلك الشخص بان نذكره بموضوعه الذي نسيه ! ، قد يكون المتكلم ذكيا وينتبه إلى وضع الشخص المتلقي وضجره فيسارع إلى إنهاء حديثه بكلمتين أو ثلاث تغني المستمع عن حديث مطول لم يترك صاحبه حجرا إلا وقلبه ، قال سيد البلغاء والمتكلمين علي بن أبي طالب عليه السلام : كثرة الكلام تمل السمع.
لكل كلمة معنى رئيسي قد يكون مفهوما لدى الجميع  ولها بالطبع معان أخرى تفيد اللغويين على الأغلب ، ولو أخذنا كلمة (نعم) فلا خلاف على أنها تفيد الإيجاب والموافقة ، اما كلمة ( لا ) فهي تعني الرفض والنهي ، ومشكلة الكثيرين منا تكمن في استخدام  هاتين الكلمتين ، وهي  أننا - احيانا - نستخدم كلمة ( نعم ) في مكان ( لا ) وبالعكس ، وهذا يحدث - وللأسف - عندما يأخذنا الحياء في رد طلب اشخاص تربطنا بهم علاقات شخصية ، أو أننا بنظرهم شخصيات مهمة معتبرة نمتلك علاقات واسعة مع اشخاص متنفذين في أماكن حساسة ، فتاخذنا العزة بالإثم ونعدهم ب (نعم)  و الحقيقة غير ذلك تماما ، فكم من ( نعم ) وعدنا بها اخرين فاخلفنا وعودنا فصارت كموعود عرقوب أخاه بيثرب ، وكم من ( لا ) نُطِقَت  - في غير محلها ووقتها - بوجه صديق حميم هو بمثابة اخ لم تلده امهاتنا  فاحدثت في قلبه جرحا لا يندمل ، يقول الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس : اقدم كلمات على سطح الارض هي ( نعم و لا) ، وهي اكثر الكلمات التي تحتاج تفكيرا قبل النطق بها .