محمد الزعيم الدليمي



لكل لعبة قواعد تحكم وضعها وتفرض قانون على لاعبيها , ومن جسيم الخطأ أن نعتبر السياسة لعبة , السياسة علم كبير ومعادلات وفلسفة حكم , وهي ليست فن بهلواني إلا عند من هم ليسوا أهلها , حيث تحكم الظروف أن يتسلط بعض الهواة والعملاء على رقاب الشعوب ويمارسون لعبة السياسة , فالصغار وفق قواعد اللعبة يمكن لهم أن يؤدوا  أدوار كبيرة  بعد تأهيلهم وتدريبهم  كما دأبت على ذلك دول الاستعمار وصدرت لنا حثالات تحكم بلادنا , وهنا لا يفوتنا أن نذكر الإيطالي نيقولا مكيافيلي الذي رسم في كتابه الموسوم بالأمير أغلب الخطوط الخبيثة على ساحة السياسة العالمية , بمعنى أوضح وضع للحاكم كل أساليب المكر والخداع ضمن إطار ( الغاية تبرر الوسيلة ) , وكما يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي (  علمٌ ودستور ومجلس أمة _  كلّ عن المعنى الصحيح محرّفُ ). الواقع إن أمريكا منذ احتلال العراق سنة 2003 حتى الساعة لم تفلح في خلق استقرار داخل العراق الى مستوى يمكن اعتباره لعنة تطارد حكوماتها المتعاقبة من بوش الأبن الى الرئيس ترامب، ولعل أكبر كابوس مفزع للسياسة الأمريكية هو أن تشهد انهيار العملية السياسية التي زلزلتها ثورة تشرين العراقية المجيدة. لقد أثبت الشعب العراقي إن جميع المخططات والمؤامرات السريّة لم تنجح في ترويضه وغسل ذاكرته الوطنية والتاريخية. سقطت الطائفية وسقط معها مشروع تقزيم العراق وطمس هويته العربية. وبعد إجبار العميل الطائفي الذي يحمل الجنسية الأجنبية المدعو عادل عبد المهدي على الاستقالة، بقيت العملية السياسية تترنح في ايجاد من ينقذها أو يعالج موتها السريري، وضمن محاولة خلق توازن بين مطالب الشعب العراقي ومصالح الاحتلال مع استمرار اللعبة كان التوافق على تقليد السيد مصطفى الكاظمي منصب رئاسة مجلس وزراء الحكومة العراقية خلفا لسابقه المستقبل.. تصوّر البعض إن الذئاب لن تمارس غريزتها، والقرود على كثرتها ستعتزل الرقص والدناءة، ومن الممكن أن يتحول الغراب لحمامة سلام، بذلك استبشر الشعب العراقي خيرا وكتم أنفاسه ليمنح الكاظمي فرصة الانتقال من الظلام الى النور. تعهد الرجل أن يقدم قتلة المتظاهرين الى العدالة، وأن يسترجع الأموال الهائلة المنهوبة الى الخزينة ويحاكم الفاسدين وكل سرّاق المال العام، ثم أن يجري اصلاحات كبيرة وواسعة ترقى لمستوى إعادة هيكلة الدولة العراقية ويفتح الطريق نحو إجراء انتخابات نيابية مبكرة، كان هذا كله بمثابة برنامج حكومي؟ وماذا بعد، عن أي شيء نتكلم، عن المحاصصة الحزبية المقدسة التي لم يتقرب منها، أم جرائم الاغتيال والترهيب والخطف الذي لم يتوقف، أم نتحدث عن تجدد إطلاق النار على المتظاهرين واستمرار القتل أمام عيون الأجهزة الأمنية، ثم الفساد المنظم المستشري في جميع مفاصل الدولة، بعد هذا وسواه على الصعيد الداخلي، هل الحكومة تقف على الحياد بين الشعب وقاتليه، وبين الشعب وسارقيه، أوبين العراق واعدائه؟؟؟  وما هي سياسة الحكومة على الصعيد الخارجي؟ ما زلنا نسمع بسياسة الحياد والنأي بالعراق عن الصراعات الدولية وعدم السماح أن تكون الاراضي العراقية منطلقا لأي عدوان على الدول المجاورة؟ هذا مفرح جدا الى درجة خياليه بأن يتحول العراق الى سويسرا الشرق الأوسط. الحياد يا سيادة دولة رئيس الوزراء لن يتحقق بالتصريحات الإعلامية، هذه سياسة تفرض وجود قرار رسمي، هذا القرار ليس حُلما بشرط توفر إرادة وطنية صادقة، لكن هذه الإرادة لا وجود لها بحكم كون العراق يخضع لاحتلال مزدوج من قبل الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية في إيران، وهو مكبّل بقيود اتفاقات سريّة وعوامل جيوسياسية معقدة لا تسمح أن يكون العراق دولة محايدة ذات سيادة مطلقة تتمتع بحرية القرار والإرادة، فهل تسمح فصائل الحشد بالتصويت على قرار الحياد الرسمي؟ هل يمكن التصويت على قرار يلغي صفة العدو عن اسرائيل مثلا؟ هل يمكن إخراج القوات الأمريكية بدون اتفاق مع إيران يضمن حماية مصالح أمريكا وعدم تعريض أمن إسرائيل للخطر؟ أو دفع كل تكاليف الحرب والنفقات التي صرفتها أمريكا في العراق بما يزيد على تريليونين دولار؟ هذا ثمن انفصال العراق عن الحاضنة الامريكية فقط، أما كلفة الانفصال عن الاحتلال الايراني فهو أدهى مرارة وتكلفة. السيد مصطفى الكاظمي متورّط حقيقة، هو من جهة لن يستطيع أن يغرّد أبعد من انتمائه الطائفي لكونه محكوم بمعادلة اللعبة التي فرضت وجوب ان يكون شيعيا مع الاعتذار لكل عراقي عن الوصف الطائفي، لكن هذا واقع اللعبة السياسية، ومن جهة أخرى يريد استعادة دور العراق ووضعه الطبيعي في الحضن العربي، أو بصورة أوضح يسعى السيد الكاظمي الى فتح أبواب الاستثمار العربي في العراق والحصول على قروض أو هبة سعودية لدفع رواتب أجهزة الحكومة المترهلة ولإنعاش رصيد وحوش الفساد التي تتضوّر جوعا بسبب انهيار اسعار البترول ...  الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن ذهن كل عراقي هي أن كل محاولات الإنقاذ فاشلة، ولن يستطيع رئيس الوزراء مع افتراض صدق نواياه الشخصيّة أن يقود قاطرة الحكومة مع انتفاء وجود سكة صالحة أو استراتيجية تحقق الهدف المنشود لكل العراقيين. ختام المقال، واجب المواطنة الصالحة النصيحة لولي الأمر، الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها بلا تردد هي حل البرلمان المُعطل الذي لا يمثل أكثر من محفل إدارة للفساد في العراق، بعد ذلك ستبدأ الخطوات الجادة الصحيحة وكل الشعب العراقي سيؤيد الحكومة ويساندها نحو الاصلاح والبناء. عاش العراق حرّا مستقلا سيدا، والرحمة والخلود لشهداء ثورة تشرين العراقية المجيدة.