ثائرة أكرم العكيدي
لطالما كنت قارئة مدمنة لقصائد القباني وكنت في كل مرة اراه يتغزل ببيروت أحسد نسائها كأنما يتغزل بهن جميعا..
آه يا بيروت
يا صاحبة القلب الذهب
سامحينا ان جعلناك وقودا وحطب
للخلافات التي تنهش من لحم العرب
منذ ان كان العرب..
كنت أظن أن عقدة (الماسادا) عقدة يهودية، فإذا بي أكتشف بعد دمار بيروت، أن العرب أيضا يعرفون كيف ينتحرون..
كل يوم تنتحر مدينة عربية على طريقتها الخاصة ...
واحدة تموت بالسم..
وثانية تموت بالقهر..
وثالثة تموت بالكآبة..
ورابعة تموت بالحبوب المنومة..
وخامسة تموت من فرط الشر..
هكذا لبست بيروت ثياب الحداد قبل إعلان الحداد الوطني اليوم وبدت العاصمة المنكوبة قبل 15 عاماً باغتيال الحريري بدءاً من مساء أمس، وكأنها تمشي بجنازة الشبان والأطفال والشيوخ والنسوة الذين قضوا والشوارع والمنازل التي اصابها الدمار ولم يخل منزل من منازلها أو حيّ من احيائها من إصابة بعزيز أو اشياء محسوسة من واجهات ومنازل حتى ان بعضهم خسر منزله ومكان ايوائه مع اطفاله وسيارته في هذه الأيام الحارة والمرعبة من الكورونا والمرهقة من الكساد وانهيار العملة وفقدان الأعمال وارتفاع الأسعار.
كأن كل مخلوق على وجه الأرض حمل طبلًا وبدأ يقرعه كأن كل الزواحف الديناصورية المنقرضة مزّقت صفحات التاريخ وخرجت تهدر وتصرخ كأن الفصول الأربعة تتشاجر ويخرب بعضها بعضا عندما وصّفت الكاتبة غادة السمان العاصمة اللبنانية في روايتها كوابيس بيروت قبل 44 عامًا، كانت تتنبئ أنّ بيوم يأتي على العاصمة اللبنانية لم يكن كما قبله، وحتمًا لم يكون كما بعده بحالٍ من الأحوال. الثلاثاء الرابع من أغسطس 2020 سيخلده التاريخ اللبناني وربما الدولي كثيرا عندما اشتعلت نيران مرعبة تلاها انفجار قاس هز بيروت بأكملها، وأسال الدماء على قارعة الطريق. بيروت كانت على موعد اليوم الثلاثاء على موعد مع انفجار ضخم في أحد مخازن المفرقعات، حيث شوهد تصاعد سحابة دائرية بيضاء وأعمدة الدخان من مكان الموقع مما أدى إلى إثارة حالة من الذعر مع اهتزاز الأرض في المناطق المحيطة به.
لبنان خسرت خلال دقائق بانفجار المرفأ ما يوازي خسائره في حرب تموز في 33 يوماً كارثة بيروت أكثر من 100 شهيد و5000 جريح وأضرار تزيد عن مليار دولار
الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت أمس، تعادل قوة قنبلة نووية تكتيكية. كمية نيترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12 منذ أكثر من 6 سنوات مهملة وبلا توضيب ولا تخزين يقيان المدينة شر الانفجار، تعادل ما بين 600 طن و800 طن من مادة الـ tnt. لم يُعرف بعد ما إذا كانت كل تلك الكمية قد انفجرت. لكن ما جرى كان أشبه بانفجار قنبلة نووية صغيرة. صحيح أن لا مواد مشعّة فيها ولايمكن تجزم بذلك لكن هناك من تحدّث عن وجود براميل من النفايات السامة منذ تسعينيات القرن الماضي قرب العنبر نفسه ما جرى أكبر من أن يوصَف ومن أن يُحاط به. هو الارتطام الأول والأكبر في رحلة السقوط الحر للبلاد. انفجار كهذا (ليس قنبلة نووية) لم يشهد كوكب الأرض الكثير منه، منذ اختراع البارود. لبنان هنا سجل رقماً قياسياً. الأمر ليس تقنياً، بطبيعة الحال. هو شأن سياسي، بالمعنى غير المبتذل للكلمة. شأن يمس الناس في حياتهم. عشرات الشهداء، وآلاف الجرحى، وآلاف المساكن والمؤسسات والمحال والمباني المدمرة والمتضررة، يبعد بعضها عشرات الكيلومترات عن مركز الانفجار. حصيلة كهذه تحتاج إلى حرب. تدمير مرفأ بكل ما فيه يستلزم تجريد حملة عسكرية. الحرب وقعت في بيروت أمس لكنها تكثفت زمنياً فلم تطل سوى ثوانٍ معدودة. مدة كانت كافية لجعل المدينة الساحلية، ومعها كل لبنان بلاداً منكوبة. يوم 4 آب 2020 سيُحفظ كيوم لحدث لا توصف فداحته. ثمة بلاد حدثت فيها كارثة ليست ببعيدة عن القنبلة النووية إلى حد تعريض أهلها للإبادة. حدث ذلك عملياً لا مجازيا في الرابع من آب عام 2020.
هذه الشحنة من المواد التي ارتكبت بها جريمة الرابع من آب بحق بيروت وعموم لبنان، موجودة في المرفأ منذ عام 2013، بقرار قضائي لبناني. حينذاك، كانت سفينة مولدوفية آتية من جورجيا، وفي طريقها إلى الموزمبيق مرّت بالمياه اللبنانية، حيث تعرّضت لعطل. بعد ذلك، تقدّم عدد من الدائنين بشكاوى قضائية ضد مالكي السفينة، فاحتجز القضاء الشحنة التي أبقيت في العنبر رقم 12
لماذا لم تتدخل مديرية المخابرات، صاحبة الصلاحية الأمنية في المرفأ والمسؤولة عن كل ما له صلة بقضايا الأسلحة والمواد المتفجرة لمنع تخزين مواد قابلة للتفجير في مرفق حساس كميناء العاصمة البحري؟
هل توقفت مديرية الجمارك، بعد عام 2017، عن إرسال كتب إلى القضاء من أجل «تحرير» الشحنة المحتجزة؟
ما هو دور لجنة إدارة المرفأ، المؤقتة منذ عقود، في الحفاظ على سلامة المنشأة التي تتولى إدارتها باستقلالية شبه تامة عن كل ما عداها في الجمهورية؟
من هو هذا القاضي الذي لم تُقنعه المطالبات الأمنية بوجوب فك حجز هذه المواد الشديدة الخطورة؟ ووفق أي قانون اتخذ قراره؟ وهل الحقوق الفردية للدائنين تبقى مقدّسة في ظل وجود مخاطر جمّة على الأمن الوطني؟
هذه الأسئلة لا تهدف إلى التصويب على أحد، ولا إلى اتهام أحد. لكن جريمة بهذا القدر من الخطورة، لا يجوز أن تمر من دون تدحرج رؤوس كبيرة شبه الإبادة التي تعرضت لها العاصمة أمس، توجب تغيير الكثير من السلوكيات والسياسات. عندما تقوم كارثة في المثلث الدامي [العراق سوريا لبنان] تتجه دائما اصابع الاتهام لإيران واسرائيل فالكل يعلم ان إيران هي من تقوم بتسليح حزب الله ولا يمكن لإيران أن تنقل أسلحة وذخائر لحزب الله جوا، حيث تعتمد على المنافذ البحرية لتسليح وكلائها في المنطقة وهو الأسلوب ذاته الذي تعتمده في تسليح ميليشيات الحوثي في اليمن. ويتردد أيضا أن هناك تكتم منذ سنوات على هذا المستودع بفعل النفوذ القوي لحزب الله في لبنان خشية العقوبات الأميركية في الوقت الذي تشكل فيه إيران مصدرا مهما لتسليح الجماعة الشيعية. وايضا العداء التاريخي بين حزب الله واسرائيل على حساب دماء ابناء الوطن العربي
وعلى الرغم. من أن الحزب اللبناني سارع إلى التأكيد على أن إسرائيل غير مرتبطة بالانفجار وقد يكون هذا التوضيح يرجع إلى حقيقة أن حزب الله ليس له صلة بالحادث، أو أنه يسعى إلى إبعاد الحادثة عن نفسه..
التجربة السابقة تظهر أن إسرائيل حريصة جدا في اختيار أهدافها، وأيضا حذرة، لمحاولة تجنب وضمان عدم وقوع خسائر في أفعالها، وهذا ينبع من إدراكها بأن مثل هذا الحدث يمكن أن يفتح دورة من الدم والانتقام تصل حد الحرب..
وحدثا بهذا الحجم، مع الآلاف من الضحايا والأضرار الجسيمة، يقع خارج سلة الإجراءات التي تتخذها إسرائيل، سواء بشكل علني أو سري"، منوها إلى أنه في الدقائق الأولى بعد الانفجار، خشي الإسرائيليون من أن حزب الله قد يوجه أصابع اللوم إلى تل أبيب.
وتأتى الانفجارات في وقت يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية طاحنة وتوترات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي وقبل عدة أيام من النطق بالحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.
فقد يكون الحزب كعادة حليفه الأسد يريد أن يرسل رسائل قوية معمدة بالدم والغموض، لتخويف التيار وأنصاره من أي تحركات في حال إدانة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لحزب الله ولكن مما يقلل من هذا الاحتمال أن الحزب عادة رسائله الداخلية تكون أقل عنفاً، وهذه الرسالة شديدة العنف بطابع شبه نووي غير معتاد حتى في بلد تاريخه متخم بالعنف كلبنان، حتى إن الكثيرين علقوا أن الانفجار أعنف من التفجير الذي استهدف موكب رفيق الحريري.
كما يقلل منه أنه إذا كان رسالة غامضة من حزب الله فلم يكن هناك داع لأن يورط مدير الأمن العام عباس ابراهيم نفسه في محاولة تفسير تلفت الأنظار أكثر لحزب الله.
عباس الرجل الذي يمكن اعتباره الشخصية الشيعية الثالثة في البلاد بعد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قال إن الانفجار حدث باسم مواد متفجرة مخزنة في مرفأ بيروت منذ سنوات بعد أن صودرت.
وهو تفسير سرعان ما استجلب الانتقادات حول كيف تخزن مثل هذه المواد الخطيرة في مرفأ بيروت الملاصق لمناطق سكنية، ودون إجراءات احترازية.
ومع ذلك، دفعت الكارثة حزب الله إلى الأضواء مرة أخرى. وعلى مر أشهر، ظل لبنان يُعتبر نقطة اشتعال متنامية للتوترات الجيوسياسية، ليس فقط بسبب الأنشطة المزعزعة التي تقوم بها الجماعة المدعومة من إيران في المنطقة ــ من اليمن إلى سوريا إلى العراق ــ ولكن أيضاً بسبب الخلاف داخل الدولة الصغيرة نفسها.
يبدو حاليا أن الانفجار في لبنان لم يكن نتيجة لضربة عسكرية في الوقت الحالي يبدو أن هذا الانفجار كان نتيجة لعدم الكفاءة. ولكن التوترات المستمرة توضح أن الانفجارات في المستقبل قد تكون نتيجة لشيء أكثر تعمدا. وتأتي هذه التوترات أيضاً في وقت سيئ بشكل خاص بالنسبة للبنان
وتأتى الانفجارات في وقت يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية طاحنة وتوترات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي وقبل عدة أيام من النطق بالحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.
أن الأزمة المالية في لبنان عميقة لدرجة أنها ستتطلب ما يقدر بـ 93 مليار دولار للتخفيف من حدتها.
وفي الساعات التي سبقت الانفجار، وفقاً للتقارير المحلية، كانت تتصارع أعداد كبيرة من المتظاهرين المناهضين للحكومة مع قوات الأمن خارج وزارة الطاقة مع تفاقم المشاكل الاقتصادية للمواطنين.
انفجار مرفأ بيروت هذا لم نر مثله من قبل عندما يصدر هذا الكلام من سكان بلد شهد حرباً أهلية دامت 15 عاماً وعانى من الحروب الخارجية والاغتيالات بشكل مستمر، فإننا أمام حدث شديد الخطورة وتداعياته قد تكون مدمرة.
فمشهد السحابة المتطايرة التي تنقشع على طريقة سحابة القنبلة الذرية لم يثر الرعب فقط، ولكنه يزيد الانفجار المروع غموضاً على الغموض..
1 تعليقات
احسنتم
ردحذفإرسال تعليق