كرم نعمة


التنافس في العمل يمنحنا مزايا حياتية مريحة عند الفوز، لكنه على الأغلب يؤول إلى نتائج ضارة، عندما نفتقد التوازن النفسي بين الحياة والعمل.

نحن سيّئون في استثمار ميزة "الراحة"

رائعة هذه السيدة! لأنها تقدّم لنا درسا باهرا متعلقا بمصيرنا في الحياة، وتقول هذا الدرس الثمين بين أيديكم لكنكم وسط الفوضى والقلق لا تنتبهون إليه.

فكاميلا كافنديش الزميل في جامعة هارفارد ومستشار وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة، ترى أن الاندفاع في التنافس على العمل ليس مفيدا دائما، عندما يجعلنا نهمل عن قصد الإجازة، أو لا نقوم باستثمارها بشكل مفيد كي نتنفس من دون قلق أو مخاوف محتملة.

صحيح أن التنافس في العمل يمنحنا مزايا حياتية مريحة عند الفوز، لكنه على الأغلب يؤول إلى نتائج ضارة، عندما نفتقد التوازن النفسي بين الحياة والعمل.

تطالبنا كافنديش بثقة أن نخصص وقتا للراحة من العمل والكلام والتفكير والطعام والالتزام مع الآخر وإبرام الوعود… وإلا سيسرقنا العالم الآخر على غفلة!

كاميلا كافنديش ترى أن الاندفاع في التنافس على العمل ليس مفيدا دائما، عندما يجعلنا نهمل عن قصد الإجازة كاميلا كافنديش ترى أن الاندفاع في التنافس على العمل ليس مفيدا دائما، عندما يجعلنا نهمل عن قصد الإجازة

علينا الاعتراف بأننا سيّئون في استثمار ميزة “الراحة” هذا لا يعني أبدا أن من يفكر بالراحة شخصا غير مسؤول ولا يبالي، بل يمكن أن نصف من لا يقدّر أهمية الراحة بالنسبة إلى جسده، مثل الذي يدخن عشرة قراطيس من السجائر يوميا!

نحن نتدرب بشكل دائم لتحسين عملنا، لكننا لا نبذل جهدا في تعلم فن العطلة وفهم فلسفة الإجازة، ونفترض -عن خطأ- أن الوقت كفيل بإراحتنا بعد أن ننجز أعمالنا.

عدم استثمار وقت الفراغ، “هل بقي من يمتلكه؟ فقد كشفت دراسة جديدة أن العاملين في المملكة المتحدة لديهم وقت فراغ أقلّ ممّا كان عليه قبل أربعين عاما”، يمثل فشلا في فهم الحكمة الكامنة في الراحة، إلا بعد أن ينتهي هذا الفراغ ونواجه الشكوك المنتظرة. نتذكر حينها أننا فشلنا في التخلص من السموم الرقمية، فشلنا أيضا في الاسترخاء من التفكير.

لقد جعلنا وباء كورونا نكون على قدر طاقتنا، وذكرنا بأهمية الراحة وماذا يعني عدم الحصول عليها، فالميل البشري في المواقف غير المألوفة، يقلل من عدد الخيارات التي نضعها في الاعتبار. وقد نقفز أيضا إلى الاستنتاجات في محاولة لإقناع أنفسنا بنوع من اليقين ونحن نعيش أحداثا متغيرة.

في كتابهما المشترك “الوقت المستقطع: دليل عملي لبناء أخلاقيات الراحة وإيجاد النجاح دون ضغوط” اقترح المؤلفان جون فيتش وماكس فرينزل يوم استرخاء مستوحى من مفهوم يوناني مثيولوجي، لتحسين ذهنية الابتكار، وطبيعة المقترح غير متعلقة بعطلة نهاية الأسبوع.

وسبق أن خاضت إحدى أكبر الشركات البريطانية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، معركة خاسرة لمقاومة التسوق يوم الأحد، عندما واجهت رفض كهنة الاقتصاد الجشعين المطالبين بخدمة بيع على مدار الساعة، فلا يمكن أن يمنعك أحد من شراء زوج أحذية متى أردت! ونفس هؤلاء الجشعين عبروا عن احتقارهم لبلدات فرنسية أغلقت متاجرها ومطاعمها يوم الأحد من أجل منح الناس فرصة لإعادة اكتشاف يوم الراحة، واعتبروا الأمر سطوة دينية لا أكثر.

وكل هؤلاء لم يتنبّأوا آنذاك بمستقبلنا مع التكنولوجيا التي جعلتنا مدمنين على الانشغال بكل ما يحدث، إلا التفكير براحتنا.