صالح الحسناوي


اصدر مجلس الوزراء ورقة الإصلاح الاقتصادي (الورقة البيضاء ) والتي ناقشت الوضع الاقتصادي الحالي والحلول المقترحة وتهدف الورقة إلى تحقيق اقتصاد ديناميكي حديث يخلق فرص للمواطنين لعيش حياة كريمة من خلال الإصلاحات الشاملة .

وحددت الورقة سببين رئيسيين لمشكلة الاقتصاد العراقي أولهما: سيطرة القطاع العام على الوضع الاقتصادي والاجتماعي من حيث عدد الموظفين والمتقاعدين ومقدار الرواتب ودور الدولة ألريعي ودعم الخدمات الأساسية وضعف مؤسسات الدولة وثانيهما عدم منح القطاع الخاص الفرصة الحقيقية للنهوض بالاقتصاد العراقي وخاصة مع تحديات جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط وازدياد عدد السكان .

لقد أغفلت الورقة وبشكل يثير الريبة أهم عامل يعاني منه الاقتصاد إلا وهو الفساد المستشري عموديا وأفقيا في القطاعين العام و الخاص حيث وردت كلمة (فساد) أربعة مرات فقط في الصفحات (24- 67- 95-96)، ولا يمكن إغفال الفساد الواضح في مزاد العملة والعقود الحكومية وشركات الاتصالات والمصارف الأهلية وسيطرة شركات عائلية محددة مملوكة ومدعومة حزبيا على عقود القطاع العام إضافةً الى ضعف هيبة الدولة وضعف إنفاذ القوانين وتطبقيها .

بحثت الورقة في القسم الثاني الإصلاحات الاقتصادية والتي ركزت على مبدئيين أساسيين , الأول : التخفيض الكبير في الرواتب وتقليص التعيينات الحكومية وزيادة الضريبة على الموظفين وخفض أو إلغاء دعم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وتخفيض قيمة الدينار العراقي والمبدأ الثاني هو التمكين و الدعم غير المحدود وغير المشروط للقطاع الخاص من خلال الدعم المالي المقدم من الحكومة والمنح الخارجية وتقليل الرسوم الكمر كية وعدم رفع نسبة الضرائب والحق بشراء أراضي الدولة استثناءً من القوانين السارية وشراء الشركات العامة الرابحة والممولة ذاتيا وغيرها , ورغم كل هذه الامتيازات المقدمة للقطاع الخاص إلا أن الورقة افتقرت الى مقترح إصدار تشريعات قانونية تنظم عمل القطاع الخاص وطرق مراقبته وشفافية الحسابات المالية وتسديد الضرائب والرسوم الكمر كية المستحقة للدولة وضمان حقوق العاملين من حيث الأجور والحقوق الأخرى لمنع تغول القطاع الخاص واحتكاره للخدمات وبالتالي السيطرة على النظام السياسي .

أن الهدف الأساسي المرجو من تمكين القطاع الخاص هو زيادة إيرادات الدولة ورفع نسبة التوظيف في القطاع الخاص والمشاركة الحقيقة والفعالة في التنمية المجتمعية وهذا ما لم نجده إطلاقا في هذه الورقة .

إن الإجراءات التقشفية المرتكزة على الموظفين سوف تلحق ضرراً كبيراً بقطاع واسع من المواطنين إذا علمنا أن عدد الموظفين في العراق يقارب الأربعة ونصف مليون موظف مما يعني اعتماد خمسة وعشرين مليون مواطن تقريبا على الرواتب كمصدر للدخل وحيث أن الراتب سيستهدف بسلسلة من الإجراءات المباشرة كتخفيض الراتب ورفع نسبة الضريبة وإجراءات غير مباشرة كرفع الدعم عن الكهرباء والماء وتخفيض سعر الدينار العراقي الذي يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للموظف , مما سيؤدي حتما الى تخفيض نسبة الرواتب بشكل كبير والقوة الشرائية وينعكس على المستوى المعيشي ونسبة الفقر ونشاط السوق التجاري والذي يشكل الموظفين جل زبائنه.

ولجعل الورقة قابلة للتطبيق نقترح ما يلي

1- تطبيق أجراء واحد فقط بخصوص موظفي الدولة وهو استيفاء الضريبة على الراتب الكلي مما سيوفر للدولة ما لا يقل عن ستة ونصف ترليون دينار حيث أن مجمل الرواتب لعام 2020 هو أربعة وستون ترليون وأربعمائة مليار دينار

2- تنظيم عملية التوظيف في القطاع العام من خلال تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي والاقتصار على إعادة النظر برواتب ذوي الدرجات الخاصة والمسؤليين فقط دون باقي الموظفين .

3- تحقيق العدالة الضريبية وتشريع قانون موحد وواضح وشفاف لضريبة الدخل يعتمد مبدأ التصاعدية مع إعادة ضريبة الدخل على الشركات الى سابق عهدها والبلاغة 40 بالمئة من الدخل بدلا من 15 بالمئة وإلزام شركات القطاع الخاص بتسديد الضرائب والتي تقارب عدة مليارات من الدولارات .

4- إعادة النظر بمزاد العملة وتشريع قانون جديد للبنك المركزي العراقي وإعادة النظر بسعر الدولار مقارنة بالدينار على أن تتحمل المصارف الأهلية وشركات الصيرفة النصيب الأكبر من التغيير بدلا من المواطن من خلال تشريع قانون يلزم المصارف وشركات الصيرفة بنسبة فائدة يحددها البنك المركزي وخضوعها للرقابة والمسالة .

5- جباية الرسوم الكمركية واستيفائها مقدما وحال إصدار خطاب الضمان آو تحويل مبلغ الاستيراد من قبل البنك المركزي العراقي ضمانا لحق الدولة مما يحد بشكل كبير من الفساد المستشري في المنافذ الحدودية .

6- الإبقاء على شركات القطاع العام الرابحة وتعزيزها وذلك لفرض التوازن بين القطاع العام والخاص ومنع احتكار القطاع الخاص لكل الخدمات .

7- إصدار قوانين تنتظم عمل القطاع الخاص وشفافية الحسابات والأرباح والاستحقاقات الضريبية وإلزام الشركات بدفع مستحقات الدولة وتحسين جودة الخدمات وحماية المواطن من الاحتكار والتحكم بالأسعار , مع ضمان حقوق العاملين بالقطاع الخاص .

8- توزيع أراضي الدولة على المواطنين بأسعار مقبولة بدلا من بيعها للقطاع الخاص استثناءً من القوانين كما ورد في الورقة .

9- دعم الزراعة وتطويرها بدلا من رفع الدعم عنها واعتمادها كأولوية لضمان الأمن الغذائي والعمل الجاد على تعزيز الصناعات البتروكيملوية والتحولية ضمن برنامج واضح ومحدد بفترة زمنية .

10- إعادة النظر بمفهوم الاستثمار والذي يجب أن يوجه الى مشاريع السلع القابلة للتداول بدلا من المشاريع الترفيهية والحد من الفساد الكبير في هذا القطاع .

11- تفعيل الجباية وفرض سطوة القانون على الممتنعين يمثل الخطوة الأولى لزيادة موارد الدولة قبل إعادة تسعير الكهرباء والماء على أسس تجارية .

وخلاصة القول بان الورقة طرحت مفهوم التقشف للمواطنين والرخاء لشركات القطاع الخاص.

وزير ونائب سابق