فاروق يوسف


مَن تأثر بالرسام الأميركي نجا من تقليده وصار يمشي في طريقه الخاصة، ومَن تأثر بالديك الصيني فإنه وقع في فخّ جاكسون بولوك ولم يخرج من ذلك الفخّ طيلة حياته.

لا عفوية في لوحات جاكسون بولوك

يُقال إن أحد الرسامين الصينيين كان يُغطس قدمي ديك في الأصباغ ويطلقه ليركض على سطح قماشة يبلغ عرضها المئات من الأمتار. تلك حيلة لجأ إليها ذلك الرسام من أجل إنجاز لوحة كبيرة الحجم أمره الإمبراطور بتنفيذها في وقت قياسي.

كانت تلك فكرة عبقرية نجا من خلالها الرسام من الموت وأنجز في الوقت نفسه عملا فنيا، هو عبارة عن فكرة نتج عنها جمال مختلف. تعلّم الأميركي جاكسون بولوك شيئا من ذلك الرسام الصيني حين توقف عن استعمال الفرشاة وصار يرشّ الأصباغ على سطح اللوحة بانفعال كما لو أنه يختبر ديكا وهميا. كانت النتائج رائعة. لقد ولد اتجاه فني جديد أطلق عليه النقاد تسمية “الفن الحركي”.

في حالة الرسام الصيني لم يكن الديك هو الرسام، وإن كانت الآثار التي تركتها قدماه هي الرسوم، أما في حالة بولوك فقد كانت هناك يدان ترشّان الأصباغ وعينان تراقبان النتائج، ولم يكن هناك أي نوع من العفوية.

من المؤكد أن مفاجآت عديدة في الحالتين قد أخذت طريقها إلى سطح اللوحة، غير أن بولوك كان يتحكّم في تلك المفاجآت فيما كان الصيني لا يملك وقتا يوقف فيه ديكه عن العمل.

تأثّر الكثير من الرسامين حول العالم بالفن الحركي. غير أن بعضهم اتبع بولوك فيما اتبع البعض الآخر ديك الرسام الصيني. طبعا كانت النتائج مختلفة بين الطرفين. فمَن تأثر بالرسام الأميركي نجا من تقليده وصار يمشي في طريقه الخاصة، ومَن تأثر بالديك الصيني فإنه وقع في فخّ جاكسون بولوك ولم يخرج من ذلك الفخّ طيلة حياته.

لقد ظن رسامو النوع الثاني أن بولوك كان يعمل على طريقة الديك بعفوية وتلقائية غير محكومة بضوابط، وهو ما كان الديك يفعله تماما.

أما مَن فهم أسرار التقنية التي اخترعها بولوك فقد أدرك أن هناك قواعد وأصولا لم يحد عنها، ولم تكن الحركة تتم بطريقة عشوائية. لم ينتج بولوك لوحات متشابهة، وذلك يعني أن كل ما قام به كان مدروسا ومخططا له.

وبالرغم ممّا يظنه الكثيرون من أن الوقت الذي كان بولوك يستغرقه في تنفيذ أعماله كان قصيرا، فإن تلك الأعمال كانت قليلة. وهو ما يؤكّد أن اللوحة الواحدة كان يتطلب إنجازها الكثير من الوقت. بين بولوك والديك الصيني مسافة عنوانها الخبرة.