محمد شاكر


جلبوا شخص جديد وكان رجل ستيني مدرس اعدادية سأخفي اسم المنطقة واسمه مراعاةً لمشاعر زوجته وبناته.

لم يعرف تهمته ماهي بعد ان رأى قدماي وركبتي واليد اليمنى التي لم استطيع تحريكها. بدى الخوف ظاهراً على وجهه وقال انا مدرس ربيت اجيال لاكثر من ٢٥ سنة اعتقلوني من البيت بدون تهمة انا وعدد كبير من شباب ورجال المنطقة لم اكن اتصور ان يأتي شاب اصغر من ابنائي ليكافئني على خدمتي للوطن بهذه الطريقة امام زوجتي وبناتي وبكى اكمل قائلا توسلن بناتي وزوجتي بالجنود ولكن قابلوهن بالشتم بأقذع الالفاظ لم اتحمل سقطت مغمياَ عليٌ .كنا نبكي بسهولة كأنما الظلم يهذب الارواح.

تذكرت كيف تم اعتقالي انا واخوتي وحاولوا ان ياخذوا ابي ذو السبعين عاماً ولكن شفعت له قدمه المبتورة تذكرت كلمات ووجه امي وكيف مسكت بطنها وانحنى ظهرها كأنها شاخت بلحظة وقالت( يمه وليداتي) وتستنجد بأبي الذي تحجر كالصنم .انقذني من هذا المنظر خرقة عصبوا بها عيني لم يبقى في البيت شاب الا ابي المعاق مع ابني ذو الثلاث اعوام وامي وزوجتي . حمدت الله كثيراً ان ابي معاق.

نودي باسم المدرس في الجولة المسائية عصب زميلي عينيه وأوثق يديه قال له ارخي الوثاق قليلا قال له زميلي استاذ يكسرون يديٌ اذا كان وثاقك مرتخي سكت وتكلمت دموعه وفتح الباب واخذه الجلاد الى التحقيق .

سمعت صراخه في الممر يقول اقتلني اقتلني ويضحك الجلادون سأله مقدم علي شبيهم وياك قال انهم يتحسسون مؤخرتي قال وانت شريف ولا تقبل قال انا مدرس ربيت اجيال على الاخلاق احترم شيباتي قال له عندك اولاد ؟

لا عندي ثلاث بنات.

مقدم علي شريفات بناتك؟ سكت المدرس.

مقدم علي قال سأجعلك تعترف على بناتك. 

سمعت صراخاً هستيرياً لم اسمع مثله واتسأل لماذا صراخنا مختلف وخوفنا متشابه .

كل شيء مخيف عندما تعيش معه تألفه الا التعذيب تبقى خائفاً دائماً.

عادوا بالرجل الى المحجر وكان مغمى عليه فتح زميلي يديه لقد كان اشبه بالميت منه الى المغمى عليه غير اننا سمعنا نبضات قلبه.

جلده مزقته الكيبلات. 

صحى وأول كلامه (خلوني اكول على بناتي كحاب) وكرر هذه الجملة عشرات مرات وينظر على عيوننا ويبكي لم استطيع ان انظر الى عينيه وقلت استاذ الرجال كلشي تشوف ان شاء الله تتكحل عينك بشوفتهن كال لا بناتي كحاب وضل يردد هذه الكلمة عشرات ومئات المرات.

لم اعرف ان هذا جنون ام انهيار حتى تبول الرجل على نفسه وهو ممدد ويكرر نفس الكلمة كأنه درويش يسبح ربه .


كلمعتاد يطرق الباب مؤذنا بيوم مخيف اخر لكنه مختلف بصراخ وبكاء بصوت جماعي ربما فاق ٥٠ شخصاً يصرخون بنفس اللحظة كانهم يعزفون اغنية حماسية للموت هذا الصوت المخيف تشعر عند سماعه كأن حجراً ثقيلاً وضع على صدرك لا تستطيع التنفس الا بنصف رئة .

وجبة جديدة من المعتقلين من احد مناطق بغداد سأخفي المنطقة حفاظاً على سمعة الأشخاص .دخل شاب لم يتجاوز السادسة عشر سنة تدل هيئته انه ابن خير وكان وسيم جداً تهمته حراسة مسجد.

فتحنا عصابة عينيه ويديه .

جسمه كان يرتجف من الخوف سأله زميلي الاسئلة المعتادة اخبرنا اسمه والمنطقة التي اعتقل منها قال عندما رأى قدمي باللون الازرق ولا استطيع المشي ولا استطيع رفع يدي اليمنى وراى استاذ المدرسة الذي فقد عقله قال راح يسون بيه هيج قلت له لا ولكن توقع الاسوأ لكن احذر ان تعترف على اشياء لم تفعلها لا تقتل نفسك بيدك .

حل المساء ونادوا على اسمه بكى واخذ جسمه يرتجف ونحن نقول له انته من اهل الله الله يصبرك لتخاف لكنه ضل يرتجف ويبكي كنا نحن الرجال نبكي كالاطفال من هول العذاب فما بال هذا الفتى شدوا وثاقه وخرج الى قدره .

وكالعادة اغمضت عيني واغلقت اذني بيدي لا استطيع سماع صوت الصراخ الممزوج بألم الموت صوت انتزاع الارواح من الاجساد بيد الجلادين.

عاد الفتى عاد يبكي مثلما ذهب ولكن بنحيب اكثر قلت له عمو خما اعترفت قال نعم شعرت بنغزه مزقت قلبي وقطعت نفسي اكثر اي قدر ينتظرك.

لا الومك ربما بالجولة المقبلة كلنا نعترف.


ضل يبكي وانتبهت على سرواله عليه اثار الدم لم استطيع ان اسأله ولكن نزل دمعي وشعرت بالدوار وضعت رأسي على قدم صديق الزنزانه وانا احاول ان امحي الصوره والاستنتاج من مخيلتي ترا هل انجن المدرس لنفس السبب هل يمكن ان اتعرض انا لمثل هذا النوع من التعذيب وما هو المتوقع يا الهي لماذا تتأخر بأستجابة الدعاء هل نحتاج لمعجزة او دعوة نبي لنموت .

لقد كان الفتى يعتني بي كثيراً كأني ابوه وبدأ الفتى يتكلم ماذا حدث له طلبت منه ان يتوقف لا اريده ان يتكلم ولكنه قال عمو 

احجليلك وانته احجي لابويه وامي خاف اموت.

بكيت 

وهو يبكي كأننا بعزاء انفسنا 

قال اخذني مقدم علي وكال انت باكر ( تقال للمراءة الغير متزوجة) لم افهم ما يقصد الى ان قال اليوم نفتحك ربطوني على السرير وسحبوا سروالي وبدأو باغتصابي كنت اصرخ وتمنيت لو كسروا قدمي او يدي او قتلوني قلت لهم اريد ان اعترف من اجل ان يتوقفوا ولكنهم استمروا باغتصابي .

لم اتحمل طلبت منه ان يتوقف بادر صديقي الاخر قائلا الشيخ(..)من منطقة (...) في الخيم بحفظ النظام ادخلوا عصى الماسحة في دبره حتى مات لا ادري لماذا بقي اسمه عالقاً في ذاكرتي . كلما نادوا وجبة جديدة للتعذيب كان الفتى يقابل الشباك الصغير في باب المحجر يبدأ بالبكاء بصوت عالي كأنهم نادوا اسمه كنا نبكي لبكائه وكنا نسمع بكاء المحاجر الاخرى لبكائه الطفولي ويسأل ابوه ان يأتي لاخذه لكن عندما كان ينادي امه (وج يمه تعالي) كنت انهار تماماً وينهار كل من في المحاجر ولا نستطيع ان نواسي هذا الفتى من اين نجلب له امه كي ينام بحضنها ليأمن انه الان بأحضان الافاعي ينتظر حتفه ببطئ.

طرق باب المحجر واخذونا الى القاعات وبقي الفتى وحدة في المحجر ولم التقيه الى اليوم.