د. ماجد السامرائي


إيران قادرة من خلال العملاء على تسهيل المهمات التحضيرية للإرهابيين لتنفيذ جرائمهم ضد العراقيين في مناطق شعبية في حين لم نسمع عن عملية داعشية ضد مقرات حزبية أو مواقع ميليشيوية.

بداية موسم تفجيرات من صناعة السياسيين العراقيين

تفجير السوق الشعبية في ساحة الطيران ببغداد هذا الحدث المأساوي الذي خلّف 32 قتيلا وأكثر من مئة جريح لا يحتاج إلى مهارة كاتب أو صحافي ليعلق عليه، إلا إذا جاء متفاعلا عاطفيا مع تراجيديا الموت ومسلسل الأحزان الذي يلف العراقيين منذ عام 2003 وإلى حدّ الآن.

الوصف الإنساني المؤثر كان للمفجوع والد الضحيتين، علي وعمر، عندما قال “ذهبا إلى السوق على باب الله”.

وأكثر وصف سياسي بليغ عبّر عنه ثلاثة عراقيين، رجلان وامرأة، تحدثوا إلى إحدى الفضائيات العربية بعد أربع وعشرين ساعة من الحدث من داخل ساحة الطيران قالوا “هذا التفجير هو بداية موسم تفجيرات من صناعة السياسيين العراقيين، وسنشهد في الأيام المقبلة تفجيرات أخرى، هذه الأحزاب لا تهمّها دماء العراقيين”.

لم يعد الحديث عن علاقة النظام الإيراني بالقاعدة ووليدها داعش كلاما من فرضيات المؤامرة، هناك حقائق كثيرة متداولة أكدها مايك بومبيو وزير الخارجية ومدير المخابرات الأميركية السابق أواخر أيامه في الخارجية.

مراجعة سريعة للوقائع السياسية والعسكرية منذ عام 2003 وإلى حدّ الآن تؤكد إن طهران اشتغلت على بناء جهاز أمني عراقي موال لها ومواز للجهد الأميركي الذي أنشأ جهاز مكافحة الإرهاب المعروف بكفاءته ونجاحه في طرد داعش من الموصل.

منذ وقت مبكر، بعد عام 2003، أدخلت منظمة بدر آلاف الكوادر والموالين إلى وزارة الداخلية وآلاف الضباط، في عملية سميت بالدمج، إلى وزارة الدفاع دون المرور بتقاليد الإعداد والترقيات المهنية التي عُرف بها الجيش العراقي منذ تأسيسه.

من الجانب الفني لمجزرة بغداد كان متوقعا أن يعكس رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خبرته الفنية كمدير سابق للاستخبارات لأربعة أعوام في القدرة على الكشف المبكر عن العمليات الإرهابية لا أن يعبّر في تعقيبه على الحادث بأنه “كان خرقا يكشف عن خلل كبير في هذا الجهاز يجب إصلاحه” هذا يعني أن جهاز الاستخبارات كان مخترقا في قياداته الفنية من قبل عملاء إيران.

من يقرأ تعقيبات الكاظمي ومشاعر المرارة من هيمنة الأحزاب وميليشياتها بصورة غير مباشرة تتأكد له حقائق الهيمنة الإيرانية؛ كما في حديثه الأخير عن الصراعات السياسية داخل تلك الأجهزة بمعنى التغلغل الإيراني فيها.

إيران قادرة من خلال هؤلاء العملاء على تسهيل المهمات التحضيرية للإرهابيين لتنفيذ جرائمهم ضد المواطنين العراقيين في المناطق الشعبية، في حين لم نسمع عن عملية داعشية ضد مواقع ومقرات حزبية أو ميليشيوية. وهذا ما يفسر انزعاج تلك الأحزاب والميليشيات من الإجراءات الإدارية التي اتخذها الكاظمي وكان عليه اتخاذها منذ تسلمه رئاسة الوزارة بإبعاد بعض العناصر القيادية في الأمن والاستخبارات، وهي شخصيات مهمة تجرّأ بسبب صدمة الحدث على إبعادها. 

العراقيون فهموا اللعبة “الطائفية" الخبيثة التي تراجعت بفضل شباب ثورة أكتوبر العراقيون فهموا اللعبة "الطائفية" الخبيثة التي تراجعت بفضل شباب ثورة أكتوبر

العراقيون فهموا اللعبة “الطائفية” الخبيثة التي تراجعت بفضل شباب ثورة أكتوبر، فهم شيعة لكن مشروعهم كان تفتيت الطائفية وإزاحة رموزها من الساحة العراقية وإسقاط مبررات وأغطية مسلسل الحرب الثأرية ضد أبناء العرب السنة تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، وتكثيف فضائح زعامات الأحزاب في الفساد والعمالة. لهذا كان ردّ فعل الميليشيات جنونيا تمثل في قتل واختطاف كوكبة منهم.

اليوم تقرر طهران تجديد المهزلة الطائفية الفاشلة وفتح نهر الدم العراقي الذي لم يجف بالإيعاز إلى داعش لمعاودة مسلسل التفجيرات داخل العاصمة العراقية لتعزيز دور الميليشيات في تصعيد مسلسل القتل والاختطاف ضد من تبقى من شباب العرب السنة، خصوصا في حزام بغداد، بعد فشل أهدافها في خلايا الكاتيوشا ضد السفارة الأميركية ومصالحها في العراق.

الرسائل الإيرانية المتعددة الاتجاهات، داخليا وخارجيا، أرادت القول للكاظمي إنه ليس حصانها في الانتخابات المقبلة حتى وإن استخدم مشروع ثورة أكتوبر وشبابها المطاردين من قبل الميليشيات التي ستوسع من فعالياتها القتالية للهيمنة على فعاليات الانتخابات والدخول للبرلمان المقبل. كما لا تسمح طهران لمحاولات الكاظمي تعزيز سياسة الانفتاح على السعودية والخليج لمعاونة العراق.

غباء حكام طهران يدفعهم إلى استخدام وسائل قديمة رثّة وأدوات ووكلاء استهلكت أوراقهم يعتقدون أن لعبتهم قد تثير اهتمام واشنطن بايدن، فنفذوا عن طريق داعش هذا العمل الجبان اللئيم في بغداد وحاولوا الإيحاء الطائفي من أسماء منفذيه، ليعيدوا مناخ أيام الحرب الطائفية التي أشعلوها عام 2006 بتفجير المرقدين العسكريين في سامراء.

ولي الفقيه الإيراني خامنئي يريد من إدارة بايدن الاهتمام المُجَدّد بالساحة العراقية وليس صحيحا أنه يسعى إلى إخراج نهائي للقوات الأميركية من العراق، كذلك إحياء معزوفة داعش لأن ذلك يعطي لوكلائه وخدمه من الميليشيات مبررا لوظيفتهم الهمجية وإشعال الحرب الطائفية. أليست طهران هي التي أوحت لحكومة العبادي عام 2014 بأن تطلب توصية دولية لمجيء قواتها للعراق تحت دعوى مواجهة احتلال داعش للأراضي العراقية.

مأزق النظام الإيراني أن حياته متعلقة بالساحة العراقية قبل لبنان وسوريا واليمن، فإذا ما أهملت واشنطن هذه الساحة وانطفأت أخبار التفجيرات تحت عنوان داعش، وتراجع دور الميليشيات وتفككت أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والسني وتصاعد الدور السياسي لثورة أكتوبر 2019 فماذا سيبقى لطهران وهي المحاصرة عالميا.

أرادت طهران إبلاغ واشنطن بايدن رسالة مفادها أنها ما زالت متحكمة بالساحة العراقية سياسيا وأمنيا مثلما هي متحكمة بسوريا ولبنان واليمن رغم نكساتها في تلك البلدان. لكن الإشارات السريعة الأولى لقيادات البيت الأبيض الأمنية لا تشير إلى تغييرات إيجابية لصالح النظام الإيراني بل العكس من ذلك.

إدارة بايدن لديها الوثائق والمعطيات بأن حصيلة سياسات طهران في سنوات ما بعد أوباما قد اتجهت إلى التصعيد الفوضوي التخريبي مما يهدد السلم والأمن في المنطقة، وهذه الإدارة لن تعمل كما سابقاتها على أن يصبح العراق مجددا ساحة للولايات المتحدة في أي خلاف جديد مفترض مع طهران.

لن ينخدع العراقيون بلعبة طهران ووكلائها من الميليشيات والدواعش رغم تكلفة الدماء الزكية.

كاتب عراقي