وليد روكان عبد الغفور المجيد


الكرم من الأخلاق العربية العريقة التي ألفها اجدادنا منذ الأزل وعلمها لنا آبائنا فهم أصحاب النفوس العظيمة وطبقوها في تعاملاتهم وجعلوها دليل الرفعة والفخار وغاية المجد لما فيها من الإيثار وعلو الهمم والأقدار وفي فقدها مذمة وعار فالكرم عادة السادات وشيم الأحرار . قال أحد الحكماء : أصل المحاسن كلها هو ( الكرم ) لقد كانت الشجاعة من أبرز صفات المجتمع وظهر منهم في كل عصر أقطاب روى عنهم مواقف عظيمة . لم اكن اود الحديث عن هذه القصة لأنني لم افعلها من اجل الشهرة والرفعة التي لانحتاجها ولكنها للتاريخ وليعرف هذا الشعب الصابر المجاهد الطيب اننا روح وجسد وعقل واحد من الشمال الى الجنوب وان الطائفية لم ولن تنموا في مضاربنا يوما من الايام ولسنا من يظلم بالباطل وقد عرفونا طوال الاعوام الذي عشناها معا تحت سقف العراق الواحد .


بتاريخ 10 . 06 . 2014 سقطت مدينة تكريت بيد الارهابيين الذين ليس لهم اية علاقة بالدين الاسلامي . وعند الظهيرة خرجت للتجوال في منطقة العوجة الجديدة فقابلت ثلاثة اشخاص يرتدون الملابس المدنية والتعب بل الرعب باديا على وجوههم . فسألتهم من انتم ؟

قالوا : نحن جنود من الفرقة الرابعة ...

قلت لهم : حياكم الله سلمتم فلا تخافوا ...


فتحنا لهم باب الديوان وقمنا بواجب الضيافة وبعد شرب القهوة اخبروني ان معهم جنود تائهين في الوديان المُجاورة فطلبت منهم الاتصال بهم وارشادهم الى مكان المنزل . وبعد حوالي الساعة بدئوا يتوافدون فرادا . اثنان او ثلاثة كلا على حدة حتى بلغ العدد 17 او اكثر بقليل . كانوا خائفين جدا من بطش داعش فأخبرتهم انكم في امان وانتم عند البيجات ( عمام ابو عداي ) ونحن لا نعطي الدخيل . وبعد مدة قصيرة ناداني ابن عمي احمد واخبرني ان بعض الاشخاص المسلحين في الباب يريدونك . فخرجت لافهم ما يجري . فسألوني من تأوي في بيتك ؟


قلت : هؤلاء هاربين من التوقيف ولم اكن اود اخبارهم بانهم من الجيش . ثم سالتهم من انتم ؟ فتبين انهم من جنود داعش . فقالوا : هؤلاء حالقي الذقون وليسوا موقوفين وانت تحمي العسكريين وهذا سيعرضك للقتل معهم او تسلمنا اياهم .


فقلت لهم : والله لن اسلمكم شعرة من راس احدهم فانا لا اعطي الدخيل واعيَّر بين العرب فاحتدم الكلام بيننا وارتفعت الاصوات حتى وصلت الامور الى سحب الاسلحة فأشرت الى اولاد عمي بان يتجهزوا وعندما تأكدوا اننا مُصرين على موقفنا هددونا بعودتهم ومعهم قوة كبيرة ودوريات اخرى وانهم سيفجرون البيت على رؤوسنا ورحلوا . فاغتنمت الفرصة بعد ذهابهم واخرجت الشباب واخذتهم الى الشارع وطلبت منهم ان يمشوا خلفي كل اثنان معا وبلغتهم ان سألكم احد قولوا : نحن عمال في الشركة الصينية ولاتقولوا اننا من الجنوب .


نجحنا في تهريبهم في سيارات ولله الحمد والمنة ولا اعرف اين هم الان . ان الأمة التي تستميت من أجل نشر رسالتها تموت بعزة ورفعة . اما التي تنحني أمام الآخرين تفقد الجرأة وتنتهي الى ذل وهوان وكذلك الأفراد المبدئيون الذين حملوا الاخلاق وعاشوا من أجلها وأخلصوا لها غير آبهين بما يلحق بهم من أذى وقد تكون من وجهة نظر اخرين خاطئة لأنه قد يتطور إلى مرحلة الصراع الدموي وإزهاق الأرواح وهنا يتطلب الحسم وبناء المواقف التي تكشف وزن الرجال . كان لابد من الوقوف وقفة الرجال ضد أشباه الرجال! موقفاً يرضي الله اولا ثم الضمير ...