علي الجنابي
وما مِن شيءٍ لِكينونتهِ يَتَجَرَّأَ ليَنتَحِل,
وما من مَعينٍ ولا مُعينٍ ولا شَفيعٍ لهُ يَكتَفِل.
ألا وأنَّهُمُ كالوا (الجمالَ) و(القُبحَ) بمكيالِهم فمامن شيءٍ من قِسطاسِهم نالوا,
ألا وأنَّهُمُ ظنّوا أنَّ قِسطاسَهم حَقٌّ أو هكذا هُمُ القومُ خالوا, ثمَّ إنَّهُمُ صالوا في فُسطاسِهم وفي ليِّ الحرفِ جالوا, ثمّ غالوا, فما من شيءٍ من قِسطاسِهم طالوا, بل إنَّهُمُ الى سرابٍ بِقيعةٍ في قِرطاسِهم آلو,
ألا وأنَّهُمُ مالوا فقالوا :
"ماخُلِقَت القباحَةُ إلّا لنعرفَ قيمةَ المَلاحَةِ إذ تَرتَجِل".
ألا وأنَّ حدقتي مابَصُرَتِ القباحةَ قطُّ ! بل ما حَطَّ قُبحٌ أمامها أو نَطَّ لِيَمتَثِل.
هم ماحَدَّقَوا, ذاكَ أنَّ بُؤبُؤَهم مُعَطَّلٌ وفي شَهوَةِ التَكَلِّفِ مُنهَطِل. وماصَدَّقوا, ذاكَ أنَّ جُؤجُؤَهم مُنسدِلٌ وفي شُبهةِ التَزَلِّفِ مُنهَدِل.. وماغَدَّقوا, ذاكَ أنّ لُؤلُؤَهم مُنهَمِلٌ وفي شِقوةِ التَخَلِّفِ مُبتَهِل..
وتراهم شَرَّقوا وضُؤضُؤُهم:[طائرٌ أخضرُ على جناحيِهِ لُمْعةٌ تُخالفُ لونَه] مُحَلِّقٌ وفي فضائهِ عنهمُ غرباً مُشتَمِل, فَخَرَّقوا نَمارِقَ الجمالِ بِتَخريجاتٍ للقُبحِ مُتَكامِلٍ مُكتَمِل!
ألا وإنَّ"الخَلّاقَ لجميلٌ وفي جمالِ فِعلِهِ لا يَختزلُ, وفي كمالِ جعلِهِ لا يَنفصل",
أفَغُمَّ عليهم وَصفُ الإلهِ ل(أقبحِ) خَلقٍ: النَّارِ التي يُورُونَ في مَخمَلِ سَمَرٍ مُرتَحِل:
" تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ" هي إذاً مَتَاعٌ مُتَذَلِلٍّ مُنخَذِل. وإذاً..
فالجمرُ جميل وهو يحاورُ ذا شوقٍ وبحرفِ توقٍ لاهبٍ مُشتَعِلّ؟ والبَقُّ جميل وهو يناورُ خطفاً وبأزيز غاراتهِ هو باسلٌ مُتجحفِل. والثّعبانُ جميل وهو يُزاوِرُ بهندسةِ بدنٍ عَجَب ومُستَغنٍ عن أهلِهِ مُستَقِل. والحَجرُ جميل وهو يجاورُ جُرُفَاً لِيَتَسرَدَحَ هَوناً أو يَتَحَلّلَ فيَضمحِل. و الضفدعُ جميل وهو يشاورُ عشيقتَهُ من فِيِهٍ أنيقٍ مُعتدل! لمَ تَبَسَّمتَ ؟!
نعم, هو رَشيقٌ إذ لِسانُهُ بفِيِهٍ خَلّابٍ مُعتدلّ, ولو كان غير ذلك لَجَاعَ ولكانَ مُستَغَلَّاً لا يَستَغِلّ. والذئبُ جميل وهو يُقَصِّرُ الآرواحَ ولِرَوحِ أخيهِ يأبى ويأنَفُ أن يَستَحِل. والدُّجى جميل وهو يُصَيِّرُ النّجمةَ عروساً وبِتَغَنُّجٍ كلَّ ليلٍ تَحتفِلّ.
كذلكَ والقمرُ جميل وهو يُغَيَّرُ فِصالَ بدلاتهِ حينَ يطلُّ كلَّ عَشِيٍّ علينا فيَهلّ. والبَرقُ جميل وهو يُخَيِّرُ البنيانَ أن يغتَسِلَ أو على حرثٍ حولَه بِغيثِهِ يَنهطِل. والرضيعُ جميل وهو يُثَوِّرُ أثداءَ أمِّهِ فتَتَنَبَّهُ لهُ فيغمزُ لها ويَستدِل. والسّنبلُ جميل وهو يُكَوِّرُ نفسَهُ خشيةً غرورٍ ومُتلألأً دوماً ينسَدِلّ. والصّقرُ جميل وهو يُحَرِّرُ جناحَيهِ قَبضَاً وفي صَفِّهِما للنّسائمِ مُداهِناً يَستَمِل. والوردُ جميل وهو يُعَطِّرُ وجناتِ صخرةٍ كي تسمحَ لهُ في ظلِّها أن يَستَظِلّ. والنحلُ جميل وهو يُجَيِّرُ الرحيقَ نِعالاً لِينتَعِل . والنَّملُ جَميلٌ وجميل, وهو يُدَثِّرُ جَمالَهُ بِتَبَختُرِ خُطاهُ وبعيشٍ مُتَكاتِفٍ مُتَكافِل..
حتى الجذعُ جميل وهو يُجَمهِرُ كَرَبَاتَهُ بتراكمٍ مُزخرفٍ مُتَسَلسِل.
كلٌّ شيءٍ جَميلٌ, ماألِفناه ومالم نألفْهُ تناسياً, جهلاً , أم لم نَستَدِل.
كلُّ خَلْقٍ هو جميلٌ لِما خُلِقَ لهُ..
وكلٌّ فَلقٍ هوَ جميلٌ في جدِّ وفي لهو..
فجميلةٌ هي المهرةُ الوافيةُ في صهو, والثمرةُ الصافيةُ في زَهو, والجمرةُ الكافيةُ في طَهو, والفأرةُ الغافيةُ في سَهو, وحتى الذبابةٌ اللافيةُ في بَهو.
إنَّهُ الجمالُ وإنَّهُ الكمالُ فيما خَلَقَ في رَهوٍ وفي غيرِ رَهو.
فلا قُبحَ هنالكَ مُطلقاً. كلٌّ جميلٌ, سواءٌ عليهِ أمُتَوَرِّدَةٌ خُدُودُهُ أم هو مُتَعَلِّل, مُتَجَرِّدَةٌ رُدُودُهُ أم هو مُتَجَهِّل. إنَّهُ الجمالُ في بدائِعِ الفاطرِ البديعِ, ومِن كلِّ عَيبٍ أبرَأَ, إذ هوَ وحدُهُ ذَرَأَ, وإنَّهُ الكمالُ في روائعِ الظاهرِ السميعِ, ومِن كلِّ رَيبٍ عافاهُ, إذ هوَ وحدُهُ سَوّاهُ ..
إنه....اللهُ, جلَّ في علاه.
0 تعليقات
إرسال تعليق