محمود الجاف
الناعور أو الناعورة كما تسمى في سوريا او الساقية في مصر : هي أداة لنقل الماء من النهر أو البئر إلى اليابسة . تصنع على شكل تركيب دائري يُثَبت على مُحيطها عدد من الأوعية (الدلوات) لملئها ورفعها إلى الأعلى ثم افراغها في مَجرى عندَ النزول . وُجدت اثارها مُنذُ آلاف السنين في مصورات ولوحات فُسيفساء في أفاميا على نهر العاصي . بعضها قديمة جدا وما زالت تعمل حتى يومنا هذا في منطقة شيزر . وهي الاشهر والاكبر حجما على الإطلاق إذ يصل قطر بعضها إلى أكثر من 25 مترا . ولها ذكريات تغنى بها المطربون والشعراء والكتّاب ورويت عنها الاحاديث والقصص ... في العراق انتشرت على ضفاف نهر الفرات وتمركزت في هيت وعنة والقائم وحديثة . إلا ان أغلبها اندثرت ولم يبقَ منها الا القليل التي ما زالت تدور وتصدر صوتا حزينا خاصاً بها هو الذي اعطاها التسمية .
لقد كان دورانها مثالا للواقع والالم الذي لم نكن نفهمه ولكن بعد انتشار الفكر الصفوي الجديد الذي دخل في كل مدينة وقرية . بل في كل بيت . بات حال شعوبنا يُشبه حاله لانهما يدوران ويدوران ثم يعودان من حيث بَدآ . شجعهم جهلنا فقد صنعنا منهُم هالة عظيمة قدسناها وعلمنا اطفالنا على عبادتهم حتى نضمن لهم وجود القطعان التي ستبقى تجري خلفهُم في المُستقبل . ضيعنا انفسنا وذريتنا وتركنا ربنا . هرولنا خلف المخلوق وتركنا الخالق وتوجهت انظارنا الى المرزوق وتركنا الرازق . عبدنا القبور وبقينا نلف وندور بكل فرح وسرور ولهذا كشفت العورات وهُتك المستور .
علَّق الصليبيون الخشبة في رقابنا ووضع اتباع الخميني الدجال الغطاء على عيوننا حتى لانرى الا ما يملوه علينا وكاتب السيناريو يتفرج ويضحك وهو سعيد على ما يراه من صور الخزي والتراجع الديني والثقافي والاخلاقي والعلمي والانساني . رغم انه يعلم ان ما يجري هو في صالحنا وليس العكس . نعم هو في صالحنا فالدنيا تأخذُ أحيانا شَكلَ الغِربال لِتَنقية البَشَر فَقدوتنا صلى الله عليه وسلم أقامَ في مكَة ثَلاث عَشرة عاما وَبِالمَدينة عَشرَ سِنين يَخوضُ فيها غمارَ الحَياة مَعَ الرَعيلِ الأول مِنَ الصِحابَة رَضيَ الله عَنهُم وَقَد تَعَرضوا لِلحِصار وَالتَعذيب وَالقَتل وَهُجِروا وَهاجَروا وَصودِرَت أموالهُم وَمَساكنهُم لانَ الله أرادَ ان يخرج الصَفوَة مِن ذلكَ الجيل الذينَ حَمَلوا عَلى أكتافِهِم أعمِدةَ الدَولَة التي قادَت الدُنيا إلى التَوحيد وَالعِز وَالعَدل وَالإنسانيَة وَالحُب وَالنَجاح .
ونحن ايضا اذا اردنا التغيير علينا اعادة التنظيم وتوحيد الصفوف والتحرك وترك الانتظار ...
لأننا للأسف أمة الانتظار . فالعراقيون كل يوم ينتظرون مُخَلِصا جديدا تنتجهُ افكارهم المريضة البائسة اليائسة . مهما كان شكلهُ ونوعهُ ولكن الشعوب التي حصلت على حريتها هي التي اختارت لها الأهداف وعملت على الوصول إليها والجميع قرأ ورأى أو سمع . كان مُنقذ السومريين هو دو مو سين (تموز) شهر الحر والجفاف ولكنه كان ينبثق من جديد في (21 نيسان) أول الربيع ليجلب معهُ الحياة والخضرة والخصب . وظل هكذا طيلة الثلاثة آلاف عام وخلال عصور السلالات المُختلفة الأكدية والأمورية والآشورية والكلدانية .
لقد أنتجت مؤسسات الدعاية الأمريكية الكثير من الأفلام التي اعتمدت مادتها على تنبؤات نوستراداموس وهي تهيئة للحرب فبعد دخول العراق الى الكويت أنتجت هوليود فلماً اسمه The Best Reference . اما الفيلم الثاني الذي انتج في نفس الفترة ويظهر فيه شخصا مُرتدياً العمامة العربية ويقوم بتوجيه صواريخهُ على المدن الأوربية والأمريكية لتدميرها . الغاية من انتاجه هي زرع بذرة المُناهضة للإسلام في أذهان المُجتمع الغربي . ثم فلما آخر هو (الرجل الذي يرى الغد) في منتصف التسعينات ويُظهر صور ناطحات السحاب في نيويورك تنهار والجو مغبر وكأن المدينة ضربت بقنبلة نووية . وهناك القادمون The Arrivals وهي سلسلة تتحدث عن الماسونية وتتحرى قدوم الدجال .
جاء في المزمور (72) ما نصهُ ( اللهم أعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك ليحكم بين شعبك بالعدل ولعبادك المساكين بالحق . فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظل العدل . ليحكم لمساكين الشعب بالحق ويخلص البائسين ويسحق الظالم . يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مر الأجيال والعصور . سيكون كالمطر يهطل على العشب وكالغيث الوارف الذي يروي العطشى . يشرق في أيامه الأبرار ويعمُّ السلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلـــى أقاصي الأرض ... )
تقول المُؤلفة والكاتبة جريس هالسل التي عملت مُحررة لخطابات الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون ولها العديد من الكتب أهمها (النبوءة والسياسة) والكتاب عبارة عن إجابات عن أسئلة جمعتها من سلسلة مُقابلات شخصية مع مسؤولين واستقصاء من تقديم برامج تليفزيونية عن النبوءات التوراتية التي تبشر بقرب نزول المسيح ونهاية العالم فيما يعرف بمعركة ( الهرمجدون ) وكذلك برامج من أمثال هالويل وجيري فالويل وتشارلز تايلور وغيرهم وهو من أكثر البرامج الجماهيرية التي لاقت رواجاً هائلاً في أوساط الطبقة المتوسطة الأمريكية (ومعظم المؤمنين بهذه النبوءة منها وهم بالملايين) وكذلك الكتب الخاصة بها والتي تباع كالخبز ومنها (الكرة الأرضية العظيمة المأسوف عليها) لهول ليفدسى الذي بيع منه أكثر من 25 مليون نسخة بعد أيام من طرحه في الأسواق .
لقد كشف نوستراداموس تنبؤاته التي يتحدث فيها عن ثلاثة أشخاص من الطغاة يظهرون في العالم ويحولونهُ إلى بحر من الدماء أولهم نابليون بونابرت وثانيهم هتلر ... وعندما يظهر الثالث يتصدى له فتى عربي جبار القوة والعقل ستتحقق باقي النبوءات . وانا اجزم ان المجرم الثالث كان الخميني الدجال ...
البوذيين يؤمنون بعودة بوذا . والزرادشتيون بانتظار عودة بهرام شاه . والهنود في انتظار فشينو . واليهود في انتظار الماشيح . والنصارى في انتظار عودة المسيح . والمسلمين في انتظار المهدي والفيلسوف الانكليزي برتراند راسل يقول : إنّ العالم في انتظار مُصلح يوحّده تحت عَلَم وشعار واحد والسوبرمان .
إن انتظار المنقذ برأيي هو منتهى الضعف فالشعوب الحية لا تجعل من نفسها الكرة التي يتقاذفها هذا وذاك حيثما ووقتما شاء والمُخَلِص أيا كان عند مجيئه يحتاج الى شخصيات متزنة قوية وناجحة حتى يقودها وليست فاشلة لاتقوى على إدارة نفسها .
في بغداد اليوم . وفجأة جاء الخبر الذي ليس منه مفر : انتشار الدبابات والمدرعات وجهاز مكافحة الارعاب والقوة التكويكية التابعة لوكالة الاستخبارات والتحقيقات الكونية والقوة الجوية والبرية والبحرية والامنية والمخابراتية ... لكنه للأسف فصل جديد من فصول المسرحية . من اجل ان يضحكوا عليك وعليَّ . وانت حر تصحوا أم تبقى في عالم المُغفل جية ؟
تخيلوا ان الشعب يقتل وتسرق ثرواته منذ الاحتلال والبابا فرنسيس يدين محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي ويصفها بأنها عمل إرهابي حقير . كل ما جرى ايها الصليبي الاعمى لم يكن عملا ارهابيا حقيرا ؟...
والمصيبة ان الكل يهرول فورا لتصديقها وترويجها بهمة وسرور ثم نكتشف انهم حققوا هدفا او اهدافا جديدة ولهذا كلما رأيت الناعور تذكرت حالنا فنحن صرنا مثله . نلف وندور وندور ثم نعود الى ذات النقطة التي بدانا منها وربنا وحده العالم الى متى سنبقى هكذا ؟
0 تعليقات
إرسال تعليق