وسام رشيد


منذ اللحظات الأولى للقصف الروسي على اوكرانيا تابع العراقيون بشغف انباء القصف والضربات الجوية على العاصمة كييف، وحركة الدبابات في المناطق الحدودية الشرقية لاوكرانيا، وخطابات الزعيم "العتيق" فلاديمير بوتين رئيس روسيا منذ شبابه، وردود فعل قادة العالم، وإمكانية حدوث حرب عالمية ثالثة قد يصل شرار نيرانها الى الاراضي العراقية.


الملفت هو شدة إهتمام بل و"حماسة" العراقيين في متابعة هذا الحدث الذي يشغل المساحة الكاملة تقريباً لمجمل وسائل الإعلام، والمنصات الالكترونية.

بدأت تصوراتهم تظهر على شكل فيديوات وبروموات وبوسترات إستعير فيها عشرات الأناشيد الوطنية العراقية الخاصة بالحرب العراقية الايرانية في ثمانيات القرن الماضي، وهي في الواقع تتغنى ببطولات الجيش العراقي وانتصاراته، والكثير منها يمجد برئيس النظام العراقي الأسبق صدام حسين، ويستعيضوا برسوماته وصوره أخرى لقادة الحرب الحاليين في روسيا واوكرانيا، وبعض قادة العام كالرئيس الفرنسي ماكرون أو الأميركي السابق دونلاند ترامب.

أهزوجة "يا گاع ترابچ كافوري"الشهيرة كان لها الحظ الأوفر بين البروموات التي انتجتها برامج الفوتوشوب البسيطة في هواتفهم، ليبثوها على صفحاتهم الالكترونية على الفيس بوك والانستا، الاكثر استخداماً في العراق.

مشهد آخر يؤشر حالة من التشفي بما آلت اليه الحرب، يضاف الى الحماسة برؤية صور تحركات الغزو في شوارع العاصمة كييف، فالرئيس الاوكراني هو عميل للادارة الامريكية، والغرب الاستعماري، كما حاول بعض الناشطين السياسيين اثارته في تلك المواقع.


حاول بعض المدونين في المواقع الاعلامية وكثير من المواطنين خلق مزاج عام يعبر عن رغبة بتكرار حدث معاصر وهو الغزو العراقي لدولة الكويت، ومشاهداته بين روسيا واوكرانيا، مع الحرص على ابداء التعاطف مع المدنيين، خاصة الاطفال منهم، فالعراقييون يتأثرون عاطفياً مع الاحداث التي يقع ضحاياها مواطنين عزّل، وقد يصل اهتمامهم بهذا الجانب الى حد التمني ان يكونوا مجاورين لدول الحدث، ليستقبلوا النازحين سيما الشقروات الواتي يظهرن على شاشات التلفزة كما عبّرت عن ذلك بعض منشوراتهم التي لا تخلوا من دعابة.


لم تغب مسألة الاصطفاف الطائفي عن تصنيفات العراقيين اذ اعتبر بعضهم الدب الروسي محوراً شيعياً كونه يمتلك علاقة مع جمهورية ايران الاسلامية، بينما يرتبط النظام في كييف مع الاتحاد الاوربي القريب من الجانب الخليجي والعربي السني، وكانت تلك احدى المشاهد المأساوية في تصنيف وضع هذه الحرب.


عراقييون آخرون استحضروا مناظر مؤسفة ومؤلمة، لحملات التهجير والهروب الجماعية من مناطق البصرة والفاو والكويت وبغداد والموصل وجميع المدن التي تعرضت للقصف او الغزو او الحروب العبثية التي شنها النظام السابق على اكثر من جبهة، كان الشعب العراقي اكثر الخاسرين والمقهورين والمظلومين فيها، ولا زال الشعب يدفع فواتيرها الى هذا اليوم.


تبقى ذاكرة بعض العراقيين مليئة بالاحداث والمآسي التي تنعكس على ادائهم الاخلاقي والقيّمي، وحالة مزج متناقضة تجمع بين ما يتمنون، وما شاهدوه وعاشوه نتيجة الحروب وماكنتها التدميرية، تلك التناقضات التي سطورها خلال الايام الاربعة الفائتة على صفحاتهم، والتي عبرت عن خليط من المشاعر غير المستقرة تجاه حدث انساني يتطور نحو القساوة والمجهول، اما الغالبية فتصلي ليل نهار ان لا تتكرر مشاهد الدمار والقتل والاستباح في كييف كما عاشوها في بغداد.