علي السوداني

يحدث أحياناً كثيرة أن الفلم الذي تعرضه دار السينما يكون أطول بقليل من الوقت المطلوب لعرضه خمس مرات في اليوم ، لذلك يلجأ صاحب الدار إلى المقص الذكي الذي يقطع من الشريط دقائق لا تؤثر أبداً على جوهر وثيمة الفلم .

هذا تمام ما كان يحدث وما شاهدته بنفسي في سينما بابل البغدادية الرائعة وهي خزنة ذكريات طيبة لا تنضب . قبل العرض بيوم يقوم بتشغيل الفلم المراد صاحب الماكنة العجيبة أيامها واسمه وارتكيس ، وحضور مالك الدار عبد الرزاق أبو عارف وهو شخصية مهيبة ومخيفة كأنه جنرال يفتش الجند بساحة العرضات ، ومعه جوقة قليلة أهمها صاحب السر الماهر المدير حجي محمد أبو ثائر الذي سيتولى تالياً عملية التقطيع الدقيق بمقصه الذي لا يشبه هنا مقص الرقيب الشهير ، فيأكل من الفلم عشر دقائق وربما أكثر وفق ما تقتضيه الحاجة ومن دون أن يترك أي أثر لهذا القص على المشاهدين .

ولأن عائلتي الكبيرة وأخي جواد كانت تمتلك المطعم الخارجي للسينما والمحلين الصغيرين القائمين بطابقيها الأول والثاني ، فضلاً عن عربة الكرزات والسكائر والنساتل المشهورة الواقفة بباب السينما ، فلقد سمح لنا بمشاهدة كل فلم تعرضه الدار مجاناً ، بمباركة طيبة من الجنرال الضخم عبد الرزاق ، وبغيرة لئيمة من بوابي السينما احمد ونامق وعبد الحسين وكاظم وعبد الواحد وعادل وجه البومة ، وبهجت الذي تتم معاقبته فيتحول من قاطع تذاكر بغرفة مستقلة إلى بواب يقتطع نصف التذكرة المرقمة ، ويسلم النصف الباقي للزبون مع ابتسامة إجبارية شديدة الوضوح والسأم المكبوت !!

بمنتصف السبعينات عرضت شاشة سينما بابل فلم معبودة الجماهير وكان من بطولة عبد الحليم حافظ وشادية . كان الشريط طويلاً حتى اشتغل عليه مقص حجي محمد وشذبه من الزوائد غير المؤثرة على النص الأصلي ، وكان أحد المقاطع المقصوصة المقصوفة هو دعوة غداء بيوم جمعة أقامها حليم البديع ليبث شكواه ولوعته من صدود افتراضي لشادية المظلومة بوشايات واكاذيب القاسي الحسود يوسف شعبان . ومن بين المدعوين كان السمين الأريحي محمد رضا وزينات صدقي وخال تفيدة بوجود وكيل العمل الضحاك فؤاد المهندس .

ومع مقصوصات اخرى تم عرض الفلم عدة أسابيع وبنجاح عظيم .

أستعيد ذلك الليلة بحنين يقصف القلب ويطفر الدمع على أيام لذيذة راحت ولن تعود .