بلقيس خيري شاكر البرزنجي،

لم يحزن العراقيون على زعيم مثل حزنهم على مقتل الملك الشاب فيصل بن غازي، الذي جسد حياته في مسلسل تلفزيوني.
(اخر الملوك) هو مسلسل تلفزيوني عراقي تراجيدي أنتج عام  201‪0 م
وهو من تأليف فلاح شاكر إخراج حسن حسني بطولة خليل فاضل خليل وهديل كامل وحكيم جاسم واخرين.
تدور احداث  المسلسل حول حياة فيصل الثاني، وهو  الملك فيصل بن غازي بن فيصل الاول،  الملوك الثلاثة الذين حكموا العراق منذ عام ١٩٢١ حتى عام ١٩٥٨، وعن الاحداث التي مرت بها الأسرة الحاكمة والعراق اجمع.
العمل بصورة عامة لم يقتصر فقط على الجانب السياسي بل سلط الضوء على جوانب كثيرة.. انسانية واجتماعية وثقافية وفكرية كان الهدف منه نقل صورة دقيقة عن حقبة العائلة المالكة التي يجهلها الكثيرون.
العمل تم تصويره في دمشق  الا ان المخرج حسن حسني صرح (بأنهم واجهوا صعوبات كثيرة، واولها هي اماكن التصوير، لقد بحثنا طويلا عن مواقع تقريبية،  حيث ان قصر الرحاب كان قصرا بسيطا، و لم يجدوا القصر والاماكن المناسبة ولان التصوير من الخارج مباشر) ..
كشف العمل حياة هذه الملك الشاب الإنسان وبين سلوكه الإنساني وتصرفاته مع المحيط. الفنان العراقي خليل فاضل خليل الذي جسد شخصية الملك فيصل كان قد جسدها بنجاح باهر مؤكدا ان ما أعجبه في شخصية الملك هي تلك الروح الانسانية العالية التي تتجسد في داخله، وذلك هو كبد الحقيقة.

كان ملوك  العائلة الحاكمة هم  فيصل الاول الذي حكم منذ ١٩٢١ حتى عام ١٩٣٢ ، حيث تدور الشبهات حول موته  مسموما في سويسرا، ثم نجله غازي وهو والد الملك فيصل الثاني الذي حكم منذ عام ١٩٣٣ حتى قتل في حادث سيارة غامض عام ١٩٣٩، ثم ولده فيصل الثاني الذي كان عمره خمس سنوات حين مقتل والده، ليكون خاله عبد الاله وصيا على العرش اي ملكا موقتا حتى بلوغ الملك سن الثامنة عشر عام ١٩٥٣  وتبوئه منصب ملك العراق.
تولى فيصل الثاني حكم العراق منذ عام ١٩٥٣ حتى اطاحت بالحكم الملكي ثورة الرابع عشر من تموز  عام ١٩٥٨، لتنتهي الملكية في العراق ويصبح الحكم جمهوريا بقيادة عبد الكريم قاسم.
ومع تأكيدنا على براعة الممثل خليل فاضل خليل  وبشكل ملفت للنظر، الا انه  قد نافسه في الاداء الممتاز الفنان حكيم جاسم الذي ادى  دور الوصي عبد الاله وكذلك الفنانة هديل كامل التي جسدت دور خالته عابدية، أمه الثانية التي ربي على يديها عقب وفاة امه الملكة عالية.
ركز المسلسل على سنوات حكم الملك وما واجهه من احداث كحاكم للبلاد، منها فيضان بغداد ومواجهة الاحزاب المعارضة والمحاولات الانقلابية ضد الحكم الملكي وعرض احداث مثيرة  من الحياة الاجتماعية والثقافية وكذلك السياسية التي رفلت بها حقبة حساسة للغاية من تاريخ العراق، بل لنقل انها حقبة مصيرية..
لقد نجح المسلسل في رسم شخصية وسيرة  الملك فيصل، عبر طيبه وخلقه المتين وحنوه على الايتام حد تبنيه للطفل جعفر واعتباره واحدا من  افراد الاسرة يعيش معهم في قصر الرحاب ، كما وتمكن المسلسل من تصوير مأساة هذا الملك البريء الذي احبه الشعب ولم يزالوا آسفين علي نهايته الدموية التي لا يستحقها ومعظم افراد العائلة المالكة، ونكاد نختلف معهم في محاولة تزيين صورة الخال عبد الاله، والمبالغة في تلميع صورة السياسي الداهية نوري السعيد، إذ انهما لم يكونا بهذه البراءة التي رسمها المسلسل لهما.

لقد كان نوري السعيد ولم يزل شخصية سياسية كَثُر الجدل حولها ولقد اختلفت الآراء عنه. واضطر إلى الهروب مرتين من العراق بسبب انقلابات حيكت ضده. ولد في بغداد وتخرج من المدرسة الحربية في إسطنبول، حيث خدم في الجيش العثماني وساهم في الثورة العربية وانضم إلى الأمير فيصل في سوريا، وبعد فشل تأسيس مملكة الأمير فيصل في سوريا على يد الجيش الفرنسي، ثم عاد إلى العراق وساهم في تأسيس المملكة العراقية والجيش العراقي وتطوير البلاد ، الا ان جميع هذه الانجازات لم تعفه مو شبهة قتله للملك فيصل الاول او تدبير حادث مقتل الملك غازي.
علي أن  ما يصوره البعض ولأسباب سياسية بأن مجزرة مبيتة قد ارتكبت لإشباع رغبة القتل لدى القوة المهاجمة للقصر، تدحضها معايير التحري الجنائي التي تشير بأنه في حالة وجود الدافع وراء جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فإن ما تسرده القصص السياسية المفتعلة بأن القوة المهاجمة دخلت القصر بعد مهاجمته دون أدنى مقاومة مع وجود الحامية من الحرس الملكي، وواجهت الملك وأسرته في إحدى الغرف الخلفية وأخبرتهم بضرورة الخروج للحديقة المطوقة من رجال الحرس الملكي من جهة والمهاجمين من جهة ثانية، ثم تم تنظيم طوق بما يسمى عسكريا مربع ناقص ضلع ثم تعطى الأوامر بشكل دراماتيكي لفتح النار على الجميع حتى أن الطفل جعفر الذي لجأ إلى إحدى الزوايا البعيدة لحديقة القصر تم قتله بدم بارد، وان العمل برمته كان اندفاعيا  لحظيا على يد النقيب عبد الستار العبوسي الذي لم يأمره احد بذلك.
كان اداء جميع الممثلين راقيا عاليا، وقد اثبت الفنان العراقي عموما  مقدرته الفذة على التجسيد لطالما كان النص عاليا، فحتى الطفل الصغير أدى دوره ببراعة الكبار، كما وتملكت الفنانة المبدعة الكبيرة ازادوهي صمويل القلوب وهي تؤدي دور  الملكة نفيسة التي فجعت ببنتيها الملكة عالية وجليلة، مثلما فجعت في النهاية بمقتل جميع العائلة أمامها، ومقتلها وهي في عمر الثمانين دون اي ذنب رغم حملها لكتاب الله تعالى.
كانت الاضاءة ممتازه، والزي والهندام والعجلات والاثاث يوائم ذلك العصر تماما، وكنا نتمنى ان يسلط الضوء على شعراء البلاط الملكي واهتمام الملك بالادب واحتضانه للمبدعين من مطربين وفنانين واهتمامه بالتلفاز الذي بث اول برامجه في عهده عام ١٩٥٦.
وعموما يمكن لنا القول ان مسلسل اخر الملوك هو مسلسل عراقي خالص بامتياز وناجح بامتياز ، ونتمنى ان لا يكون آخر المسلسلات الناجحه التي اثبتت ان الذائقة العراقية لم تزل تهفو نحو الابداع بعيدا عن الصخب والتفاهة.


المصدر
معلومات التاريخية في مقال
كتاب تاريخ الوزارات العراقيه لعبد الرزاق
ويكبيديا..
كتب أخرى من تاريخ