تحسين الشيخلي*
من المسلمات أن المستقبل هو رقمي. مما يعني بالطبع حاجة قوى العمل المستقبلية إلى الإعداد حتى تتمكن من تحقيق الازدهار في مستقبل سيكون فيه التحول الرقمي أمرًا أساسياً..
طلبة الجامعات و جزء من الكوادر التدريسية اليوم هم من جيل الألفية ، الذي ولد في نهاية التسعينات و الاعوام التي تلت ، هم جيل رقمي أصيل لم يكتسب المهارات الرقميات انما هي جزء من كيانه و من جيناته الوراثية . لذا بات التحدي الذي تعيشه الجامعات اليوم كيف ان نكامل نماذج التعليم العلمي الحالية بصيغتها الموروثة من تجارب الخبرات السابقة مع واقع رقمي يفرضه التطور من اجل التعامل مع هذه الأجيال ؟
والتحول الرقمي يساهم في إحداث نقلة نوعية في تجارب التعليم ضمن المؤسسات الأكاديمية. يشير مفهوم التحول الرقمي في التعليم ، إلى توظيف التقنية الرقمية في بيئة النظام التعليمي المعتمد، ودمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فيها، وذلك لخدمة جميع أطراف العملية التعليمية.
لم تعد الطرق المعتمدة في تقديم المعرفة بصيغتها الورقية قادرة على استقطاب جيل الطلبة الحالي و المستقبلي لا في عملية التعليم و لا في عملية التعلم و لا في عملية البحث عن المعلومة و لا في عملية تشكيل المعرفة.
الموضوع لا ينحصر في عملية تحويل الورقي الى رقمي و كما يعتقد البعض في نقل الكتاب من مجلد ورقي الى ملف رقمي بنفس الصيغة الصماء ، وانما التفكير ببناء منظومة تعليم جديدة قائمة بأساسها على ثلاثة أركان ، تدريسي بعقلية العصر الرقمي يجيد التعامل مع أدواته ، و طالب يمتلك قدرات التفكير الناقد ، و محتوى رقمي تفاعلي .
التفاعل بين هذه الاركان الثلاث يراكم معلومات مولدة للمعرفة تتناسب مع دور الجامعة في العصر الرقمي.
فمن مفهوم شبكات التواصل المعرفي بين الدارسين او الباحثين الى مقاربة ( المشاع المفتوح للعلوم – Open Science Common ) والذي جاء في توجيهات تقرير اليونسكو حول مستقبل التعليم القائمة على فكرة ديمقراطية العلم و المعرفة و حق أي انسان في الوصول اليهما ، مرورا بالتغير الذي طال نماذج التعليم و تحولها الى نماذج تعلم و اعتمادها على نقل الخبرة و المعرفة عوضا عن نقل المحتوى و المعلومة تمهيدا لتحضير المتعلم كي يكون عنصرا فاعلا مهنيا او بحثيا.
أن شكل و محتوى التعليم في العصر الرقمي شهد تغييرا كبيرا ليدخل عصر التعلم الناجم عن الثورة الصناعية الرابعة و عن اقتصاد العلم و المعرفة القائم باساسه على التعليم و البحث العلمي. هذا التوجه تبلور و اصبح واضحا في منظومات التعليم في معظم الدول المتقدمة، وهو اليوم توجه ستراتيجي في المنظومات الاكاديمية الناشئة التي تعتقد ان هذا النموذج هو فرصتها التاريخية كي تحقق القفزات التي تجعلها تصل الى منافسة الدول الصناعية المتقدمة.
هذا التوجه لا يجب ان يغيب عن تفكير مؤسساتنا التعليمية ، فتحدي التحول الرقمي قائم ، وان طلبتنا أيضا نشأووا رقميين أصلاء ، وهم اليوم لديهم مهارات في التعامل مع الأدوات الرقمية تتجاوز مهارات أساتذتهم و محتويات مناهجهم.
لابد ان نجهز لهم نموذجا تعليميا جديدا قادرا على استيعابهم و ألا سنجد أنفسنا يوما بعد يوم في شرخ أكاديمي و علمي و بحثي ، بين ما يعيشه طلبتنا يوميا و بين ما نقدمه لهم .
التحدي القائم ليس تحدي تقني ، فالتقنية من الممكن توفيرها ، لكن المهم هو التحدي الثقافي لجامعاتنا و مؤسساتنا التعليمية ـ تحدي في بنية العقل و التفكير، تحدي في جعل المسؤولين عن أدارة التعليم سواء في مستوى الوزارات او رئاسة الجامعات او حتى عمداء الكليات مقتنعين و قادرين على اتخاذ القرار الصحيح بضرورة التحول الرقمي . و دفع الاكاديميين و الباحثين قبل غيرهم لقبول التأقلم و التبدل حتى تتمكن منظومة التعليم و البحث العلمي من الاستمرار.
*الدكتور تحسين الشيخلي ، مدير مركز بحوث دراسات المستقبل – لندن.
0 تعليقات
إرسال تعليق