الإنسان ذلك الكائن العجيب الذي يعجز عن فهم ماهيته وكيفية خلقه سيما الجانب الروحي فيه، فقد ظل مدار البحث الدائم لدى الفلاسفة والعلماء والكتاب ، ولم يستطع احد التيقن التام من فكرته فيما يخص جانب الروح ،وجانب المعاد ،هل هو معاد جسماني ام معاد روحي فقط . وتعددت الاراء في ذلك وظل في طور النظرية اكثر منه في طور التصديق والتجربة ، ولعل مراد ذلك يعود الى الاخفاء القرآني المقصود لمسألة الروح ومسألة المعاد .
نحاول في مقالنا هذا ان نساهم بالجانب النظري كأطروحة مضافة الى ما قاله السابقون وما سيقوله اللاحقون من اراء ليست بالجزمية او اليقينية . فنحن نعتقد ان الروح تعني (الادراك ) فالإنسان عندما يكون حيا يكون مدركا ويترتب على هذا الادراك التكليف التام بعباداته ومعاملاته، وعندما يموت الإنسان فان الله تعالى يقبض عنه الإدراك لذا يفقد خاصية الاحساس بالشيء ، وعند النوم يمكن للنعاس ان يغيّب هذا الادراك ويفقد من خلاله الانسان الوعي ولعل ما يحدث للإنسان اثناء (البنج ) مشابه له عند النوم الا ان الادراك يبقى داخل الجسد مغيّبا يعود للإنسان متى ما افاق .اما في حالة الموت فان الإدراك يغيب تمام ولا يعود لانه قبض من الجسد وهو (الروح ) وهو يحمل معه صورة كاملة عن حياته اما الجسد فهو وعاء حامل لتلك الروح ( الإدراك) .
فعندما تكون القيامة يعود الادراك دون الجسد الى العمل وعندها يدرك الإنسان كل شيء افعاله واعماله فيحاسب على ما صنع من افعال ان كانت ايجابية فانه سوف يعيش حالة الادراك الايجابي ويعيش ادراكه في الجنة ويتلذذ فيها ويعيش فيها خالدا وكأنه في احلام اليقظة التي يعيشها الناس في حياتهم ، فالخمر يعيش نشوته دون سكر والحور العين يعيش معها اجمل اللحظات دون فعل حقيقي فهو يشعر بالنشوة واللذة والمتعة شعورا حيا ولا يمارسها ممارسة جسدية واقعية . وكذلك اصحاب النار هم فيها خالدون بإدراكهم الذي يعيشون وكأنه حقيقة واقعة فهم يتألمون ويتعذبون لانهم يشعرون ويتحسسون بهذا العذاب الادراكي .
ولعل ضعف رأي المعاد الجسماني متأتي من عدة امور :
١- ان البشرية على كثرتها لاداعي الى خلودها هذا الخلود الجسماني وعودتها الى الحياة مجددا بخلود دائم مع ان البشر بنزعتهم الفطرية ميالون الى التخاصم والتنازع والحسد والغل والخ .. فأن قلنا ان الله ينزع عنهم ذلك فهذا يعني ان الله سوف ينزع عنهم الحاجات والغرائز فكيف للجنة ان تكون بالوصف الذي وصفه الله بالحصول على المتعة واللذة.
٢- ان المعاد الجسماني يعطي تصورا بشريا ارضيا عن حالة الناس في الاخرة وكأنهم في حدائق ناظرة وجنائن ارضية مورقة وهذا التصور ساقه النص القرآني كصورة تقريبية للذهن البشري وليس بالضرورة ان يكون هو الواقع الاخروي الذي يعيشه الإنسان في اخرته . فالإنسان بعد الموت يتحلل جسده ويعود ترابا وتنتهي حياته الارضية الذي يبقى منه هو رمزية الانسان الذي يعيش بادراك تام لحقائق الاخرة جنتها ونارها .
٣ - الآيات التي اشارت الى بعث الناس من القبور والوقف بالقيامة والحساب والجزاء والعذاب والنار والجنة كلها آيات لا خلاف عليها ضمن منطق التصور البشري وقصر الذهنية عن ادراك ماهية القيامة والمعاد ، فالخطاب التقريبي يستدعي مخاطبة الناس على قدر ادراكهم للشيء المراد بيانه . فالمسلمون الاوائل لم يكونوا بمستوى فهم المعاد الرمزي او معنى الادراك . كما أن الآيات لا تخالف ما ذهبنا اليه من ان ادراك الانسان او روحه المدركة سوف تشعر بكل ما جاء بالنص القرآني وكأنها حاضرة بجسدها ، ولهذا تعيش بعيدا عن الاخرين لانه لا تزاحم واقعي انما هي تعيش إحساسا بالمتعة او العذاب الدائم . عندها لن يكون الخلود جسدي انما خلود روحي واحساس شعوري بالبقاء .
فالجسد ليس من الضروري حضوره لانه مادة من تراب والاخرة عالم الإدراكات دون الاجساد التي تفنى وتعود لاصلها الاول ليبقى منها ما لا يفنى ويحمل ذاكرة السنين التي عاشها والتي يحاسب عليها ليعيش حياة شبيهة باحلام اليقظة التي لا تنتهي ولا تفنى .
0 تعليقات
إرسال تعليق