عبد الحميد الصائح

شتمُ الشعبِ حماقة وجنون لاتصدر عن عقل طبيعي.. فالشعب - اي شعب - انسجة متداخله وتاريخ من التحولات والظروف وبحار الازمان والعقائد والحروب  والعادات والقيم والاساطير والغيبيات .. كلها معا عبر التاريخ تنتج هذه المجاميع البشرية التي تجمعها العقود وتتحدد  لها الجغرافيات وتأسس منها حرب العقول مع الحياة ، وحرب المؤامرات ضد العقول ومايلعبه الخوف والحاجة كدوافع وأوليات ما يشكل الخرائط البشرية والجغرافية حتى يومنا هذا .
وعليه فان اي صورة نمطية جاهزة تسبغ على الجماعة البشرية انما هي صورة منفعلة سريعة لاتصح في كلها وان صح الراي على افراد متناثرين منها .

اسوق هذا مقدمة لما ورد من سعار وهذيان يقذف بالتهوين والرذيلة مكونات  شعب العراق موقع باسم السيد ( مهند نعيم ) ومنشور على صفحته بعنوان أقلمة العراق .متهكما على تلك الخارطة بتسميات مهينة ، كالهمج واللطامة والحرامية والمهربين ….الخ

من كتب المقال ؟

بدأً  اميل بقوة الى تبرئة السيد نعيم، لأن كاتب المقال لايمكن الا أن يكون شخصاً فاقد الصواب تماما … ولا يمكن لمهند ان يصبح غبيّاً فجأة فيكتب مثل ما ورد ، وهو يمثل مؤسسة حساسة مهمتها بناء مجتمع متوازن يشعر بكرامته في ظل أمن مجتمعي وسلم اهلي ننشده جميعا.
واستبعد ان يكون مهند الى هذه الدرجة من  فقدان الاهلية والصواب بحيث يزفر السموم ضد اطياف المجتمع العراقي كلها ، ويصفهم بالهمج واللطامة والمهربين وغيرها من الاوصاف الرذيله . وهو محط اعتماد حكومي في ترشيد العلاقة بين الناس التي تحتج لاصلاح حياتها ، والدولة المرتبكة العاجزة عن ضمان هذه الحياة على أكملِ وجه .
فاما ان يتصف  مهند نعيم  بالخصلتين اعلاه
واما اننا امام ثائر خفي من طراز عجيب كذلك الذي يقلع عينيه تضامناً من العميان. فلا هو قدم رؤية للاصلاح ولا ظل سليما معافى .

دوافع وأسباب

ولكن كيف ولماذا تشيع هذه اللغة الوضيعة في الرأي والتعميم ..كتلك المقالة المكتوبة تحت وطأة الغضب واليأس والكراهية والانتقام ؟!
تتميز مناطق العراق المختلفة بتنوعها العرقي والثقافي بصورة واسعة ..من عادات ولهجات وتاريخ مناطقي بيئي خاص وفنون وازياء وانتماءات دينية وفكرية  مما يجعل من البلاد عموما كيانا غاية في التعدد والتنوع ما يمنحها فخامة الدولة الراعية الجامعة لهذه الاطياف في ظل مركزية المواطنة التي تضمن لهذا التنوع قيمه ودوره الوطني والانساني .
هذا التنوع كي لايكون كذلك يتم ضرب مركزيته باسلحة شتى ، التثقيف الطائفي .. التمايز المناطقي .. الاحتلال  الاجنبي.. العمالة والاستقواء بالخارج ، السياسات السطحية التي ليس لديها استراتيجيات في الحكم طويلة الامد - تعمل وتفكر كل يوم بيومه - فتُضرب بفعل ذلك مركزية المواطنة  وعلوية الدولة لينحدر ذلك التنوع الى الفوضى والاحتراب وسيادة القوة الذاتية على القانون  ومظاهر التجهيل والفساد وسوق بيع المواقف والاستهانة بالمسؤليات الاساسية التي تعمل على التنمية العامة بفروعها المختلفة .

جمهور التشفّي

ينتج بفعل ذلك أيصاً  نوع من الجمهور الخفي جمهور التهوين الذي يرسل ويستقبل كل لغة تحط من قدر  المجتمع  او مانسميه بجمهور ( التشفّي) من اولئك الذين يبالغون في تيئيس المجتمع ويحرضون على جلد الذات واهانة كل شيء .. وهذا الجمهور له كتابه واعلاميوه وسياسيوه وأساليبه في السخرية وادخال لغة السباب والتجاوز على الثوابت والكرامات التقليدية المحفوظة في كل حال ..بذريعة عدمية ان كل شيء لاقيمة له وكل شيء لا احترام له وكل شيء مظلم اليوم وغداً، ويمكن لشخصيات نافذة وميسورة ومستفيدة ايضا تتشفّى بالنيل من تجمع او شخص لاتجرؤ على قول مايقال فتستمتع بما يقال بالنيابة !.
مالذي يدعم هذا ؟ للاسف العينات السيئة التي نراها في ذلك الكل شيء من هبوط وانهيار سواء في المجال الاقتصادي او السياسي او الديني او العشائري او العينات التي تشيع في اوساط الشباب من انحدار اخلاقي وأمية وسوء سلوك .. وكأنّ االاربعين مليون الذين يقطنون هذه الارض يتصفون جميعا بصفات العينات التي يركز الاعلام على تسويقها .. فتبدو مقالة مارقة كالتي نشرت على صفحة السيد مهند  ..طبيعية وموضوعية وتشخصّ الواقع! وماهي الا سعار وقيء وهذيان لايصدر الا من معقّد مريض لايهمه ان تكون كرامات الناس برقبته.