نزار العوصجي

المراجعة الذاتية حالة صحية تنشط الذاكرة في أغلب الأحيان .. فليس معيباً ان يراجع الأنسان ذاته ، ففيها أستذكار وأستحضار لما مررنا به من أحداث وشخوص عايشناهم عن قرب ، فتركوا فينا اثراً لا يمكن نسيانه او تجاهله ، ذلك لان تلك الأحداث وهؤلاء الشخوص لهم سمات مختلفة تميزهم عن غيرهم ..

اولى المحطات التي نستحضرها هي ثورة 17 تموز 1968 حين نستذكر أحداثها نلمس قدرة القيادة على التعامل مع العناصر الدخيلة التي حاولت الاستحواذ على الثورة وفرض حالة الأمر الواقع ، و أبراز دورهم بانهم قادتها ، الا ان حكمة القيادة في أستيعاب الموقف لضمان نجاح الثورة التي ارادوها ان تكون بيضاء ، والحفاظ على سلامة الرفاق وتجنيبهم الصدام المسلح ، دعت الى القبول بهم ، لتتم بعدها عملية التصحيح صبيحة 30 تموز 1968 ، بهذا حافظة على نجاحها الى جانب حفاظها على حياة المناضلين ..

المحطة الاخرى التي بقت عالقة في الاذهان تتمثل بقرار تأميم النفط الخالد في 1 حزيران 1972 ، ذلك القرار الجريئ الذي أقدمت عليه القيادة الوطنية ، في تحدي واضح للضغوط التي مورست بحق العراق وشعبه ، من قبل شركات النفط الاحتكارية ، والتلاعب بالاقتصاد الوطني لضمان بقائه تحت سيطرة الحكومات الاستعمارية ، وعدم فسح المجال امام الحكومة العراقية لتطوير القطاعات الخدمية والانتاجية في كافة المجالات ..

الحدث الاخر الذي يتبادر الى الاذهان يتمثل في مؤمراة ناظم كزار ، وما رافقها من صعوبات كونه كان يشغل منصب مدير الأمن العام ، في زمن الرئيس احمد حسن البكر رحمه الله ، حيث حاول القيام بانقلاب لقتل الرئيس البكر في الأول من تموز من عام 1973 بعد عودته من زيارة الاتحاد السوفيتي وبولونيا وبلغاريا ، الا ان القيادة بحكمتها تمكنت من تدارك الموقف وافشال الانقلاب ..

من ضمن المحطات التي نستذكرها هي مشاركة العراق في حرب أكتوبر ضد الكيان الصهيوني عام 1973 ، رغم عدم قيام القيادتان المصرية والسورية باخطار العراق بموعد الهجوم ، الا ان القيادة من موقع المسؤولية القومية ، بادرت الى تحريك القطعات العسكرية بعد سماع الخبر عبر الاذاعات العربية .. حيث يعد الجيش العراقي ثالث أكبر الجيوش العربية التي شاركت في الحرب ، على الرغم من قلة امكانياته انذاك ، إلا انه سارع للمشاركة بأغلب قطاعاته ..

اخر المحطات التي نتناولها في هذا المقال هي الحرب العراقية الإيرانية كونها أطول حروب القرن العشرين ، نشبت في أيلول 1980 وانتهت في آب 1988، وألحقت أضرارا بالغة بالاقتصاد ، تمكنت فيها القيادة بشجاعتها المعهودة من التصدي لريح الشر الصفراء التي هبت من إيران الشر ، واحباط كافة مخططاتها العدوانية التوسعية ضد العراق والامة العربية ، بعد ان سطر فيها جند العراق اروع ملاحم البطولة في التأريخ الحديث ..

ما اردنا ان نخلص اليه هو الأشارة الى عظمة القيادة وحكمتها في التعامل مع المشاكل التي واجهت العراق والامة العربية ، ذلك لانها متمثلة باشخاص مخلصين للوطن والمبادئ ، يتحلون بنكران الذات ولهم باع طويل في السياسة ، لهذا نفتقدهم اليوم ، بعد ان لمسنا حالة الضعف بكافة جوانبه ، لذا فان من المؤسف القول ، ان القيادة العاجزة عن المعالجة لاتمثلنا ..
رحم الله قادتنا الذين شرفونا في مسيرة النضال : ميشيل عفلق ، الياس فرح ، منيف الرزاز ، شبلي العيسمي ، احمد حسن البكر ، صدام حسين ، عزت ابراهيم ، طارق عزيز ، سعدون حمادي ..
بحسرة نقول لهم : غادرتنا الحكمة بعد ان غادرتمونا ، وغابت القيادة ..

" لقد أسمعت لو ناديت حيـًا ..
                      ولكن لا حياة لمـن تنادي  
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ..
                  ولكن أنت تنفخ في الرماد "