إبراهيم المحجوب
فارقته منذ زمن قديم ولم اتوقع ان التقي به يوماً منذ اخر لقاء في تسعينات القرن الماضي كان هو يعمل في مجال التدريس الجامعي وكان لقبه في ذلك الوقت استاذ مساعد وكنت في حينها اعمل في القطاع التجاري كنا نلتقي تقريبا يوميا وكان حديثنا دوما عن العلم وعن الوضع في وزارة التعليم العالي ووزارة التربية وما تواجهه من مشاكل نتيجة سياسات الدولة الخاطئة ونتيجة ظروف الحصار الاقتصادي الجائر التي فرضته الدول الكبرى في حينها على الشعب العراقي المظلوم وكان صديقي يتألم كثيرا لما يجري خاصة وان اسمه موجود في قوائم المطلوبين للأمم المتحدة لأنه صاحب اختصاص علمي دقيق ولديه ابحاث استفادت منها الدولة في مجال التصنيع العسكري وكان خائفا بعض الشيء من لجان التفتيش وكنت في حينها اشجعه واخفف من قلقه...
وبين الحين والحين كنا نلتقي وكانت لقاءاتنا يسودها الصراحة التامة وكان يتكلم لي بكل اسراره وخوفه من المستقبل لهذا البلد وكنت انظر اليه نظرة مواطن يعيش في بلد يراه محصن من كل النواحي ويرى ان النظام السياسي فيه لا يمكن ازالته مهما كانت المؤامرات او الثورات التي تحدث هنا وهناك ضده ولكنه وبنظرته العلمية وبصفته استاذ جامعي كان يحلل الامور اكثر دقة وصواب من غيره.... واذكر مقالته الدائمة التي يقولها دوما لن يتركوننا هؤلاء دول الجوار في حالنا وسوف يأتي يوم ترى العراق ليس كما تراه الان رغم كل السلبيات الموجودة الان ورغم ما وصلنا اليه من نزول سريع في المستوى العلمي الا انني ارى اننا سوف نرى مستقبل مظلم للأجيال التي بعدنا..
وفي احد الايام جاءني احد الاصدقاء المقربين في حينها والذي ابلغني بانه يجب الابتعاد قليلاً عن صديقي الدكتور الجامعي... وعرفت في حينها ان الموضوع يخص الجوانب الامنية وبدون نقاش تقبلت الامر وما هي الا مدة ستة اشهر او سنة تقريبا انقطعت اخبار صديقي الدكتور عني نهائيا سألت عنه في حينها احد الاصدقاء المقربين منه والذي ابلغني بانه سافر الى عمان بحجة اجراء عملية جراحية لابنته الكبيرة ولم يرجع..
وبعد اربع او خمس سنوات حدث ما حدث في العراق من تغيير شامل لنظام الحكم وبقي صديقي لا اعرف عنه اي شيء حتى بعد التغيير وقبل ايام وبينما انا كنت منشغلا في كتابة احد المقالات جاءني اتصال على رقمي في الواتساب من رقم دولي لم يكن مسجل في قوائم الاتصالات الموجودة عندي وبصراحة كنت اتصور رقم احد شركات الاتصالات العالمية او ربما احد دور النشر او غيرها لما يتعلق في المسائل الكتابية وما ان فتحت الهاتف حتى تفاجئت بصوت رجل اجهش في البكاء قبل الكلام والسلام وبصورة لا ارادية حاولت ان اعرف ما هي الاسباب وان اساله ولسان حالي يقول له من انت ولكن دون جواب فالبكاء كان قوي جدا الى لدرجة انني لم اتمالك نفسي وابكي مثله. وكل ما عرفت من كلماته المتلعثمة
(( اخويا ابوعبد )) وبعد لحظات من الزمن وما ان هدأت عاصفة البكاء حتى سألته عن شخصية المتصل فابلغني بانه صديقي القديم الدكتور الجامعي (( م )) وبدأ بسرد قصته لي من هروبه من العراق مع عائلته عن طريق مهربين في اقليم كردستان في حينها وان قصة سفره الى الاردن هي للتغطية على سفره وانه استقر في تركيا فترة من الزمن.. قبل الذهاب الى اوربا والالتحاق بإحدى الجامعات الاوربية التي قام بمساعدتي بالحصول على درجة وظيفية فيها احد الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في ثمانينات القرن الماضي في جامعة الموصل وكان احد طلابه وقد حصل على شهادة عليا اكاديمية وتم تعيينه هناك وبما انني اجيد اللغة الانجليزية بطلاقة فكنت لا اواجه اي صعوبة في التدريس وانني قد حصلت على الجنسية لتلك الدولة وانا الان متقاعد عن الوظيفي واعمل بصفة مستشار في احد الشركات العالمية ووضعي المادي جيد والحمد لله.. وقبل ان انهي حديثي قال لي لدي طلبان لديك الاول ان تزورني وانا اتكفل بكل شيء وخاصة ان اغلب الاصدقاء هنا يتابعون مقالاتك الفيسبوكية وكنت متردد بالأمر هل انت الصديق ابوعبد ام غيره لحين تأكدي من احد الاصدقاء فاعتذرت منه لأنني في وضع لا استطيع السفر .وثاني طلب ومهم جدا ان تأخذ لي صورة امام جامعة الموصل.. وهنا اجهش بالبكاء ثانية وقال انني اتابع كل صغيرة وكبيرة عن العراق ولايهمني شكل نظام الحكم ومن يكون الحاكم ولكنني ابكي على عراق التربية والتعليم.. وهل تذكر كلامي في حينها.. سلامي اخي العزيز ابوعبد عن طريقك لكل عراقي يحمل شهادة علمية فوالله لا توجد قيمة وفرحة لكل الشهادات العلمية في العالم بعد الشهادة العراقية.... ودعته بحفاوة وشكرته على هذا الاتصال.....
وداعاً صديقي العزيز... وداعاً لدموعك الغالية.....
0 تعليقات
إرسال تعليق