ا.د. محمد بالروين
علمتنا تجربة العشر سنوات الماضية أن السياسيين الليبيون لا عهد لهم، ولا يحترمون مواثيقهم، ولا يؤمنون بالمبادئ التي ينادون بها إلا إذا خدمت مصالحهم الشخصية.
وعلمتنا أن المصطلحات القانونية لا تعني لهم شيء ويعتبروها “حمالة أوجه”، فعلى سبيل المثال: مصطلح “أقرب الأجال” لا يعني لهم “في أسرع وقت؟، ومصطلح “التوافق” لا يعني لهم “أن ألا يعترض أحد”.
وعلمتنا أن من يمارس السياسة اليوم (إلا من رحم ربي) لا يؤمن بقانون “الجاذبية السياسية”، بل يؤمن بأنه كلما صعد إلى أعلى، كلما عشق الكرسي وتمسك به، ورفض النزول إلى أسفل.
وعلمتنا أن هناك العديد من الآليات الانتخابية الضرورية مفقودة للمشاركة في صنع القرار.
وعلمتنا أن “الثقة” وحدها لا تكفي، وأن مضارها أكثر من نفعها، ولابد من تبني مبدأ: “ثق.. ولكن اختبر”.
وعلمتنا أنه يجب ألا تقتصر مشاركة المواطنين – في المرحلة القادمة – على مجرد التصويت لاختيار ممثليهم في البرلمان، وإنما يجب أن تتضمن آليات أخرى لاتخاذ القرار، بمعنى آخر، يجب أن يكون هناك (بالإضافة إلى آلية الانتخابات) آليات أخرى، لعل من أهمها الآتي:
المبادرة.
الاستفتاء.
الاستدعاء.
أولا: المبادرة (Initiative)
هي أداة من أدوات الديمقراطية المباشرة (وتعرف أيضا باسم مبادرة شعبية أو مبادرة المواطنين)، وهي وسيلة يمكن بواسطتها جمع توقيعات من عدد من الناخبين (يحدده القانون) لإجبار البرلمان بأن يسن أو يُعدل أو يلغي تشريعاً ما، بمعنى آخر، هي وسيلة للمشاركة في عملية اتخاذ القرارات والقوانين أو الاعتراض عليها، ولكي يتم ذلك لابد من: (1) قيام أنصار المقترح بجمع ما يكفي من توقيعات، (2) إجراء استفتاء على المقترح، و(3) جعل نتيجة التصويت مُلزمة للجميع.
ثانيا: الاستفتاء (Referendum)
هو عملية تصويت يُطلب فيه من الناخبين في الدولة إبداء أرآهم أو اتخاذ قرار بشأن موضوع محدد، وهو أداة مشابهة للانتخابات، إلا أن المواطنين يذهبون يوم الاقتراع ليدلوا بأصواتهم على ورقة الاقتراع “بنعم” أو “لا”، ويعتبر الاستفتاء ناجحا إذا تمت الموافقة عليه بالأغلبية الموصوفة التي ينص عليها القانون.
وهناك أنواع عديدة للاستفتاء لعل من أهمها: (1) استفتاء شعبي – يسمح فيه للناخبين بإلغاء تشريع قائم أو إحالة عمل من أعمال البرلمان للاقتراع عليه قبل أن يصبح قانونًا، و(2) استفتاء تشريعي – يسمح للبرلمان بإحالة مقترح تشريعي إلى الناخبين للموافقة عليه أو رفضه.
ثالثا: الاستدعاء (Recall)
هو إجراء يُمكن الناخبين من عزل مسؤول منتخب من منصبه قبل انتهاء فترة ولايته، ويتم ذلك باتباع الآتي: (1) قام الناخبين باستدعاء مسؤولهم المنتخب (في دوائرهم الانتخابية) بجمع عدد معين من التوقيعات (يحدده القانون) خلال مدة معينة، وبشرط أن تكون من الأصوات التي شاركت في الانتخابات الأخيرة لهذا المنصب، (2) إذا نجح الناخبين في جمع العدد المطلوب يتم إجراء الاستفتاء، (3) وإذا وافق الناخبين على استدعاء المسؤول، يكون للدائرة الانتخابية ثلاث خيارات لتعيين بديل له: (أ) الرجوع لقائمة المرشحين في الانتخابات الماضية واختيار المترشح الذي تحصل على الترتيب الثاني، أو (ب) الدعوة إلى انتخابات خاصة لاختيار البديل، أو (جـ) قيام المسؤولين في الدائرة الانتخابية بتعيين البديل.
وهنا لابد من التأكيد على:
كل المناصب التي تنتخب شعبيا يمكن عزلها
لا تحدث عملية سحب الثقة قبل مرور نصف المدة التي انتخب من أجلها المسؤول
بمجرد تقديم عريضة سحب الثقة، يحق للمسؤول الاستقالة والترشح في الانتخابات الخاصة
لا يمكن إجراء أكثر من طلب واحد لسحب الثقة خلال المدة التي انتخب من أجلها المسؤول
الخلاصة
باختصار شديد، يجب ألا تقتصر مشاركة الناخبين، في المرحلة القادمة، على مجرد التصويت لاختيار ممثليهم في البرلمان، بل يجب أن تتاح لهم أدوات أخرى للمشاركة في العملية السياسية، ولعل من أهم هذه الأدوات: المبادرة والاستفتاء والاستدعاء، هذه أدوات تمنح الناخبين سلطات مباشرة على قوانينهم ومسؤوليهم، فالمبادرة إجراء تشريعي مقترح من قبل عدد من المواطنين لطرح قضية أمام الشعب من أجل التصويت عليها واتخاد قرار بشأنها، والاستفتاء هو آلية انتخابية شعبية يستخدمها الناخبين للموافقة أو رفض مقترح ما، والاستدعاء هو آلية تجعل كل مسئول يعلم أن الناخبين الذين انتخبوه، لديهم أدوات قانونية تمكنهم من سحب الثقة منه متى شاءوا وبالطريقة التي يحددها القانون، وعليه فهو عملية يمكن من خلالها عزل مسؤول منتخب من منصبه، وهو آلية تضمن ارتباط المسؤول بدائرته الانتخابية وتفرض عليه العمل لصالح ناخبيه وليس لصالح حزبه أو مصالحه الشخصية.
في الختام، يمكن استخلاص أن من أهم أسباب فشل العملية الديمقراطية في ليبيا – خلال العشر سنوات الماضية – هو غياب آليات انتخابية شعبية تُمكن المواطن من مراقبة من يمثله في الدولة، واختزال العملية الديمقراطية في انتخابات تشريعية فقط، ودون تحديد مهام المسؤولين ووضع ضوابط لتصرفاتهم.
وعلى الشعب أن يعي إن هناك العديد من الآليات الانتخابية للمشاركة في صنع القرار، وهي آليات مهمة وضرورية لممارسة الديمقراطية الحقيقة، ولعل من أهمها الآليات الثلاث التي ذكرتها أعلاه، لأنها من أهم ثلاث سلطات محفوظة لتمكين الناخبين لاقتراح أو إلغاء تشريع أو عزل مسؤول منتخب من منصبه.
في اعتقادي المتواضع، إذا رفض السياسيين تبني هذه الآليات، ستكون النتيجة الحتمية هي الاستمرار فيما يمكن أن نطلق عليه “دوامة العبث الديمقراطي” والتي ستكون نتيجتها – لا سامح الله – المزيد من الفشل والفوضى والفساد، فهل أدرك الشعب درجة هذا الخطر؟ وهل أصبح من الضروري تضمين هذه الآليات الانتخابية في القاعدة الدستورية القادمة؟… ادعو الله أن يتحقق ذلك.
أخيرا، يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي، اعتقد أنه صواب،
فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.
والله المستعان
0 تعليقات
إرسال تعليق