نهاد الحديثي


يقال ان سنين القحط التي مرت على ارض مصر القديمة في زمن نبي الله يوسف (ع) قبل الاف السنين تعيد نفسها اليوم على ارض العراق بشحة المياه وجفاف الانهر والتي بدأت بوادرها باستغاثة الاهالي في القرى والارياف من جفاف الارض ويباس عودها وافتقارهم للمياه ولربما تهدد هذه المشكلة بالهجرة من الريف الى المدينة سعيا وراء لقمة العيش وتوفر المياه ولا بد من السعي الجاد لإيجاد الحلول المناسبة والمشاريع المائية التي من شأنها مواجهة هذه المشكلة والحد من تفاقمها واغاثة المواطنين ومزارعهم من شحة المياه, و يذكرنا تاريخ بغداد بأن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يلاطف الغيوم ببرقها ورعدها بأنك أينما أمطرت فريعك وخيرك سيعود لخزينة الخلافة ببغداد، وفي زمنه أيضاً كان يطلق على العراق بأرض البساتين وبلاد السواد لخضرة أرضه الشديدة وغطاء الزراعة لمعظم أرضه. وهكذا كان الرفاه الزراعي في أرض الرافدين، ولو عدنا إلى القرن التاسع عشر حتى ظهور إنتاج البترول في الجزيرة العربية فإن العراق كان موقع جذب الهجرة العربية لأرضه لغنائه وتوفر جميع صنوف المنتجات الزراعية، وكان المحطة الأولى لتصدير الغذاء للجزيرة العربية, وحين إعلان المملكة العراقية في عام 1921م أعطت الحكومات المتتالية في ذلك العهد الزاهر أهمية قصوى للأمن الغذائي حتى أدركت مرحلة الاكتفاء الذاتي في جميع صنوف المنتجات الزراعية وفي أحصاء 1957م بلغ عدد النخيل بكل صنوفها المميزة 30 مليون نخلة في البصرة وحدها، واحتل العراق المركز الأول عربياً في إنتاج الحبوب (الحنطة والشعير والرز) حتى إن الشعير والتمور العراقية تصدران إلى الدول الأوروبية، وأدرج الشعير العراقي في بورصة هامبورج لجودته وأسس أول مصنع لتعليب التمور بصناديق خشبية جميلة وكساؤها بالبسكويت المحلى وتصديرها لجميع أنحاء العالم من ميناء البصرة تحت مسمى تمور أصفر
مشكلة التصحر التي مهدد بها العراق في المستقبل القريب جداً تعود بالدرجة الأولى إلى قلة الأمطار الشتوية ونقص كمية المياه المنحدرة في دجلة والفرات من تركيا وإيران، فالأولى أكثرت من إنشاء السدود على الفرات ودجلة وتخزين كميات هائلة من مياههما مما سيؤثر بصورة سلبية على دولتي سوريا والعراق، أما إيران فقد حولت جميع الأنهر والروافد التي كانت تصب في دجلة وشط العرب إلى داخل البلاد وأنشأت خزانات وسدودا ضخمة لحفظ المياه وعدم استجابتها للدعوات التي تعلنها وزارتا الزراعة والموارد المائية، ولا تدرك مدى الضرر الذي سيلحق بالشعب العراقي وتصرف دولتي الجوار العراقي فقد اقترفتا مخالفة صريحة لاتفاقيات الأنهر المتشاطئة بمشاركة الضرر بين دول المنبع والممر والمصب ولن أنسى في عام 1972م المؤتمر الصحفي الذي حضرته بصفتي عضوا في نادي المراسلين الأجانب في أنقره، فقد أعلن رئيس وزراء تركيا آنذاك بأن حكومته ستنشئ عددا من السدود على نهر الفرات، وأنها أي الحكومة التركية تدرك بأن الدول المشاركة في مياه دجلة والفرات تترك المياه تذهب للخليج العربي دون أن تنظم كيفية استخدامها والاستفادة منها في بناء السدود،
مشكلة الجفاف هي عالمية تعود الى التغيرات المناخية للكرة الارضية وتأثيراتها السلبية على الموارد المائية والحياة بصورة عامة وهذه التغيرات تؤثر بشكل مباشر على توفير مياه نهري دجلة والفرات مسببة شحة المياه الشديدة في كميات مياه الانهار وانخفاض مناسيبها مما يؤدي الى جفاف بعض الانهر الفرعية وتوقف بعض المشاريع والمجمعات المائية وهذه المشكلة يفترض معالجتها بالاتفاق مع الدول المجاورة لتوفير الحصة المائية للعراق بالإضافة الى ان هناك معالجات مستقبلية يتوجب التحرك عليها وهي انشاء السدود على طول نهري دجلة والفرات لتوفير خزين مستمر من مياه الانهار ومواجهة مواسم الجفاف والشحة، علما ان انشاء السدود يوفر مردودات ايجابية اخرى عن طريق السياحة وتطوير الثروة السمكية، ونعاني حاليا من طرح مياه المجاري والمبازل ومجاري المستشفيات والمخلفات الصناعية من معمل النسيج والمطاط والتي تؤدي الى تلوث المياه وصعوبة توفير مياه صالحة للشرب والتي تسبب ارتفاع العكورة وظهور روائح غير مرغوبة في مياه الشرب وخصوصا المجمعات المتواجدة قرب مصبات التلوث، ومن الضروري قيام مديرية مجاري الديوانية باتخاذ اجراءات وقائية سريعة لمنع رمي المخلفات والمجاري في مياه الانهار. اما بالنسبة للقرى النائية وغير المخدومة بمياه الشرب فان مديرية الماء تقوم بإيصال الماء بواسطة السيارات الحوضية وكذلك قامت المديرية بمفاتحة المحافظة لتوفير خزانات ماء سعة 10 الاف لتر عدد 100 مائة خزان لتوزيها على القرى والارياف---و تراجَعت موارد العراق المائية بنحو 70% خلال الفترة الحالية، جرّاء موجات الجفاف المتزايدة، وقلّة هطول الأمطار، وانخفاض منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات، وذلك بسبب سياسة حرمان العراق من حصّته المائية العادلة في النهرَين، من جانب تركيا وايران وتراجَعت موارد العراق المائية بنحو 70% خلال الفترة الحالية، جرّاء موجات الجفاف المتزايدة، وقلّة هطول الأمطار، وانخفاض منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات، وذلك بسبب سياسة حرمان العراق من حصّته المائية العادلة في النهرَين، وعلى خلفيّة كل ما تَقدّم، تُحذّر وزارة الموارد المائية من أن وضْع البلاد «بات على المحكّ»، وأن الخزين المائي وصل إلى مراحل «حرِجة»، حتى قبل بداية موسم الصيف
وذكرت وزارة الموارد المائية العراقية أن الوزير حضر اجتماعًا موسعًا لمناقشة تداعيات ملف المياه والمشكلات الناجمة عن شح المياه والتغييرات المناخية، ترأسه رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، وشارك فيه عدد من ممثلي الأمم المتحدة والبنك الدولي وبعض السفراء في العراق وتم التوصّل إلى تفاهم خلال اجتماع عُقد مع وزير الطاقة الإيراني حول تبادل المعلومات، ونصب محطات قياس على الأنهر الحدودية المشتركة بين البلدين كما حذرت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية من خطورة الوضع المائي، مطالبة الحكومة بتدويل الأزمة وحلها وديًا وبالطرق الدبلوماسية مع دول المنبع تركيا وإيران, وقال خبراء الأرصاد الجوية ، إن شح مياه دجلة والفرات وجفاف أغلب روافدهما ينذر بموسم صيف هو الأشد جفافًا حسب المعطيات الحالية”،حيث أن ما تبقى من موسم الأمطار لن يكون كافيًا لإغناء منسوب النهرين أو بحيرات الخزن والسدود
في كل الاحوال لا بد وجود حلول مناسبة لمشكلة شحة المياه وتلوثه وذلك من خلال سعي الحكومة والتنسيق مع الدول المجاورة لزيادة حصة العراق المائية وعدم انشاء السدود على نهري دجلة والفرات قبل دخولهما العراق وكذلك على الحكومة العراقية انشاء السدود داخل العراق للحفاظ على كميات الماء الداخلة واستثمارها بالإضافة لما لهذه المشاريع من مردودات على الثروة السمكية والسياحة وفوائد اخرى تدر بها هذه المشاريع وكذلك شمول القرى والارياف بشبكات المياه الصالحة للشرب، اما بالنسبة لمشكلة تلوث المياه فهي مشكلة داخلية تتحملها الحكومة المحلية لعدم مصداقيتها في تصفية المياه وانشاء المشاريع الضخمة لتصفية المياه والتصريحات الاعلامية التي تؤكد ذلك الا ان الواقع يحكي قصة اخرى وللتأكد من ذلك ما عليك سوى فتح انبوب ماء الاسالة لترى بام عينك الجراثيم والاطيان وهي تتساقط قبل الماء الملون برائحته وحلته الملوثة،واليوم فللأسف بلغت شح المياه في الرافدين إلى درجة ظهور الجزر في مجراها ويمكن للأطفال أن يعبروا النهرين مشياً لانخفاض عمق المياه لنصف متر، ناهيك عن الأهوار في جنوب العراق مثل الحمار والحويزة فقد أصبحت أرضاً صبخاء لانحسار المياه عنها، وهاجر سكانها للمدن بعد أن هلكت ماشيتهم من غنم وجاموس، وكان يطلق على هذه الأهوار في القرن العشرين بندقية العراق، وتم إدراجها آنذاك في اليونسكو من المعالم المميزة سياحياً في العالم؟؟!!
ويؤكد خبراء ومختصون , انه من أجل إعادة مستويات المياه لدجلة والفرات وشط العرب لوضعها الطبيعي لابد من تنشيط ملفات علاها التراب في وزارتي الزراعة والموارد المائية العراقية بإشعار الجارتين تركيا وإيران بأن العراق سينقل موضوع مبدأ المشاركة في الضرر المنصوص عليه في اتفاقيات تقاسم المياه بين الدول المتشاطئة، وذلك بتقديم شكوى للمحكمة الدولية في لاهاي، وأيضاً نقل القضية لمجلس الأمن, كما يجب فتح خطوط دبلوماسية جدية تعتمد على التذكير أولاً بالميزان التجاري الذي يميل بستة عشر مليار دولار لصالح الجارة إيران وأربعة عشر مليار دولار سنوياً لصالح الجارة تركيا,, وأيضاً ملف الغاز وخطوط البترول العراقي المصدر عن طريق الموانئ التركية وإعادة النظر في اتفاقية الربط السككي بين منفذ الشلامجة والبصرة.... تنفيذ كل هذه الملفات الساخنة ينتظر إرادة سيادية عراقية قوية ومستقلة لتنفيذها وبعدها تعود المياه النظيفة من دول المنبع وينتهي التصحر والعطش ويعود العراق أخضر يأتمن على أمنه الغذائي بازدهار زراعته، وهذا ما يتمناه العربي قبل شقيقه العراقي وتنتهي مأساة العواصف الترابية والعطش والأوبئة المستوطنة الناتجة عن شح المياه-----
فهل نحن فاعلون للحفاظ على السيادة الوطنية وشموخه وكرامة الشعب