ضحى جهاد أحمد / د. محمد فتحي عبد العال
بداية هل للضحك فلسفة؟
إن السائد عن الفلسفة أنها عاجية الإهتمام لا تحاكي إلا قضايا جوهرية متعالية، فلا تتعاطى إلا مع الأمور المستعصية الحل وليس لها من سبيل إلا الغوص والتعمق فيها تأملا وتفكّرا مثل مصير الإنسان والتاريخ... إلخ
رغم ذلك لم تفارق الفلسفة الإنسان فهل يستطيع الإنسان المضي قدما في معترك الحياة دون الإكسير الساحر الذي يهبنا قدرة التغلب على الضغوط ومواجهة المشكلات ؟!
...إنه الضحك الأداة السحرية بداخلنا ..
فاهتم عدد كبير من الفلاسفة بهذا الموضوع..
أفلاطون في جمهوريته الفاضلة وجد أنه لا مكان للضحك واعتبره فخا أراد أن ينأي بشعبه الموعود من الوقوع في براثنه خشية الطيش والإبتذال والحقد عبر التلذذ برؤية الأعداء في موقف مضحك !!!
أما أرسطو فقد وقف على جانب من الإعتدال فهو يرى أن الضحك يكون بحدود ولياقة وإلا صار مستهجنا كما أنه يرى الضحك وسيلة ناجعة لتخفيف حدة الخصومة في إدارة النقاش...
أما فرويد فالضحك عنده آلية من آليات التحايل على الرقيب فمن الممكن من خلال الضحك أن نمرر أشياء خفية لا نقدر على إظهارها مباشرة..
وفي العصر الإسلامي ناقش الجاحظ الضحك واعتبره خيرا مطلقا فهو( أول خير يظهر من الصبي إذ به تطيب نفسه وعليه ينبت شحمه ويكثر دمه الذي هو علة سروره ومادة قوته )
وفي العصر الحديث تحدث فولتير عن الضحك بطبيعتيه الشيطانية والإنسانية فهو يحمل معاني الخير والشر معا
ويري توماس هوبز في كتابه اللوفيتان أن الضحك نوع من دناءة الأخلاق فهو انعكاس لإحساس صاحبه بامتلاكه قوة خاصة لا يمتلكها نظرائه.
فيما ذهب كانط أن الضحك هو تناقض بين ما كان متوقعا وما صار واقعا باعتباره خيبة أمل مما يشكل صدمة على الجسد تظهر في شكل استرخاء وضحك
ويعتبر المبحث الأهم في هذا الصدد هو ماساقه برجسون في فلسفة الضحك
فالضحك عند برجسون يبدأ بالسخرية من الأشياء عبر تصورها بصيغ و هيئات مضحكة شبيهة بالسلوك الإنساني. كما أن الضحك
ظاهرة إجتماعية تتوجه لكل ما هو شاذ وغريب من التصرفات والحركات وأخصب ألوان الضحك ما يكون مصدره عقليا إجتماعيا فقد أكد برجسون أن الضحك يتوجه في الأغلب إلى ما هو شاذ من التصرفات والغرائب في الحركات والخروج عن المسلمات من الأعراف الإجتماعية ...ويتطلب الإضحاك التواجد الجماعي
فالضحك أداة تواصلية للتخاطب والمشاركة الإجتماعية .. فلابد من وجود شخصين على الأقل لتحقيق الإضحاك .
ويؤكد برجسون “أن الضحك تقويما للسلوك الاجتماعي فهو نقص فردي أو جماعي يستدعي التصحيح المباشر ، الضحك هو نوع من الحركة الاجتماعية يبرز أو يقمع نوعا من السهو
عند الأشخاص وفي الأحداث”.
ومن شروط الضحك عند برجسون البصمة الإنسانية والمعنى الإنساني للموضوع المثير للضحك فالطبيعي لا يُضحِك ..ومن الشروط أيضا غياب الإنفعال
إن الضحك عالما خاصا بالإنسان وإذا أردنا أن نعرّف الإنسان فهو الكائن الضاحك.
إنها الدلالة على الحرية وانتزاع اللذة من كآبة الحياة وإضافة لون من البهجة على صفحة الحياة العابسة.
فثمة سمة في الضحك تخوله أن يلعب دورا مهما في الكشف عن حقيقة التجربة الإجتماعية فهو بحكم عفويته بل وثوريته في كثير من الأحيان على الأعراف الإجتماعية ومحظوراتها الثقيلة قد يكشف لنا عن جانب من الحقيقة لم يكن ليتسنى لنا كشف هذا الجانب دونه.
فلكل شعب أو أمة تجربتها الإجتماعية والثقافية ولها مفهومها الأمثل للضحك حيث يفسر دواعي المضحك ومضمونه من واقع تجربتها في مرحلة تاريخية معينة

0 تعليقات
إرسال تعليق