د. باهرة الشيخلي

تتزايد، بنحو يومي، حالات استهداف الناشطين العراقيين بالقتل والاختطاف وانتزاع اعترافات غير حقيقية منهم تحت التعذيب المميت، على يد قوات حكومية وميليشيات مسلحة تجمعها السلطات الحكومية تحت مسمى (الطرف الثالث) خلطا للأوراق وتضييعا لدماء الناشطين بين جهات مجهولة، في محاولة لإسكات الصوت العالي للاحتجاجات.
وتحمل جميع الجرائم ضد المحتجين بصمات إيرانية واضحة، سبق أن استعملتها سلطات الولي الفقيه في المدن الإيرانية، من دون الالتفات إلى أن ما ينجح في إيران لن ينجح في العراق للتباين في بنية المجتمعين.
يرى عراقيون أن ما يجري من إرهاب دموي للناشطين العراقيين هو بمرتبة (غرغرة) محتضر ستشرق شمس العراق، بعدها، اليوم أو غدا، وستزيح الأنوار هذه الوجوه البائسة جميعها، أحزابا ودكاكين ومخلوقات وضيعة، فهم بالفطرة إرهابيون وقتلة يأكل الخوف قلوبهم، وكل منهم بدأ يبحث عن مأوى بديل، وقد أخذ إصرار شباب التحرير على إنجاز أهدافهم يصيبهم بالهلع وبهستيريا جماعية وتحت الإحساس المفجع بالخيبة والخسران المبين، لم يعد بوسعهم إلا الرفسة الأخيرة.
يتوهم المتسلطون في العراق أن مزيدا من الدم العراقي يهرقونه سيقربهم إلى الخلاص ويُسكت المحتجين، في حين أنه يقربهم من النهاية والهلاك ويقرّب المحتجين إلى أهدافهم في إزاحة الطبقة السياسية، التي مكّنها الاحتلال من التسلط على العراقيين، وهو الوهم نفسه الذي ساور نظام الولي الفقيه سنة 1980 عندما شنّ الحرب على العراق، ظانّا أن الشيعة في العراق سيقاتلون إلى جانبه، وأنهم خير رتل خامس له في البلد الخصم، فكان أن قاتل الشيعة دفاعا عن بلدهم ونصروه، وها هو النظام نفسه ووكلاؤه يقعون في الخطأ المميت نفسه.
تطور أسلوب الاستهداف إلى مداهمة بيوت المواطنين وإبادة من فيها من شيوخ وأطفال ونساء، كما حدث في محافظتي النجف والبصرة، يُراد منه إرسال رسائل ترهيبية إلى المحتجين مفادها إذا لم تعودوا إلى بيوتكم فإن عائلاتكم هي التي ستدفع الثمن.
إن مطاردة ناشطي الاحتجاجات العراقية واستهدافهم من طرف الحكومة وأجهزتها وميليشياتها بالقتل والاختطاف والتعذيب أصبح ظاهرة، ما دفع مركز “حقوق” لدعم حرية التعبير، وهو جهة غير حكومية، إلى أن يطالب السلطات الأمنية بالإفراج الفوري عن 14 ناشطا وصحافيا وشاعرا ما زالوا في السجون مجهولة، والكف عن ممارسات الترهيب، التي وصفها بأنها تندرج ضمن خانة قمع الحريات.
إن ترهيب الصحافيين سياسة تعتمدها الحكومات الدكتاتورية لمنع الحريات وعدم فضح القمع والقتل، الذي تنتهجه هذه الأنظمة، وما يحدث من ترهيب واعتقالات بحق الصحافيين العراقيين والناشطين والمدونين يؤكد القمع الحكومي للتظاهرات.
ولا تنقطع محاولات السلطات العراقية عن توظيف ورقة التخويف من الفوضى لخلق رأي عام دولي داعم لها في الأزمة الحادة، التي تواجهها بسبب موجة الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة، والتي تهدف إلى تسويغ العنف الشديد، الذي تواجه به المحتجّين ونتجت عنه خسائر بشرية جسيمة ستجرّ المسؤولين عنها، حتماً، إلى القضاء الدولي كمتهمين بجرائم ضدّ الإنسانية.
وورقة التخويف هذه قادت الميليشيات الموالية لإيران إلى أن توجه رسائل إلى الولايات المتحدة، عبر تنفيذها قصفا محدودا ومدروسا للمواقع، التي يوجد فيها جنودها، وأيضاً، عبر تعمّد فتح ممرات لتنظيم داعش في مناطق شمال العراق وغربه لتنفيذ عمليات توحي بأنّ التنظيم، الذي شاركت القوات الأميركية في دحره بصدد إعادة تجميع صفوفه والاستعداد لغزو تلك المناطق مجدّدا، وهو ما جعل السفارة الأميركية في بغداد تطلق حالة إنذار، الخميس.
وصف كاتب عراقي كبير امتناع القوات الأميركية عن الرد على مصادر إطلاق الصواريخ على قواعدها في بغداد والتاجي وبلد وعين الأسد والقيارة، التي أحصتها وكالة (فرانس برس) بإحدى عشرة حالة هجوم، منذ 28 من أكتوبر الماضي، بأنه (جبن) أميركي أمام إيران، لأن مصادر النيران، لم تعد مجهولة، والميليشيات، التي تطلق الصواريخ، باتت معروفة بالاسم والعنوان والمكان، لكن آخرين يذهبون إلى أن أميركا ستردّ على هذه الاعتداءات الميليشياوية، وأنها تعرف أن إيران وراءها ولكن صبرها صبر بعير.
لا أميركا يمكن أن تمدّ يد العون للعراق لانتشاله من الفوضى، التي خلقها احتلالها له، ولا الإيرانيون يبهجهم أن يزول نفوذهم من العراق، لأن ذلك يعني زوال نفوذهم من كل دولة امتد إليها هذا النفوذ، وما ينبغي أن يعرفه الواهمون بأن خلاص العراق بيد إحدى هاتين الدولتين هو أن العراق لن يخلصه من محنته إلا العراقيون أنفسهم.
ولذلك يتمسك المحتجون بخيار الاعتصام والاحتجاج السلمي حتى إزالة إفرازات الاحتلال والنفوذ الأجنبي من بلدهم من دون أن يثنيهم الاستهداف بالقتل والتعذيب والاختطاف، فقد ترسخت لدى الجميع قناعة أكيدة أن وطنهم مختطف وأنهم يجب أن يعيدوه بأي ثمن ليعيشوا فيه حياة حرة كريمة.