ثائرة اكرم العكيدي 

كان ومازال الشعر بكل أنواعه عنصراً مهماً لإدامة روح الثورة واعطاء حافز للثوار المتظاهرين وكأنَّ نصوصه الصاخبة الخارجه من القلب والضمير عبارة عن عقل جماعي يحرك الجماهير وهذا ما التفت إليه الكثير من الحكومات والأنظمة السابقة في دعم الحروب والثورات بالأناشيد الحماسية، وبوضع عدد كبير من الشعراء لكتابة النصوص لحظة بلحظة كل ذلك هو جزء كبير من التحشد لأي قضية من القضايا المصيربة التي تقرر
مصير الشعوب بل إنَّ بعض القصائد والاشعار والأناشيد ارتبطت بذاكرة قوى سياسية، وحزبية وثورية مثل أغاني حرب العراق وايران مازال هناك من يردد وفي هذه المرحلة بالذات ياكاع ترابج كافوري عالساتر هلهل شاجوري . 
وعند تصفحنا لصفحات التواصل الاجتماعي نشاهد الكثير من هؤلاء الشعراء مهما بلغ تواضع وتدني كلمات قصائدهم فهي نابعة من قلوب إحترقت حزنا ووجعا على بلدهم ومن جهة اخرى وجد المتلقون (الجمهور) سواى من داخل في ساحة المظاهرات او من خارجها في أصوات هؤلاء الشعراء العالية حائطاً يستندون إليه، وضميراً يلجأون له لحظة انعدام الضمائر، فقد حفظ لنا صندوق الشعر العربي عبر خزانته القديمة عدداً كبيراً لنصوصٍ احتجاجية تنطق بلسان الجماعة والناس المقهورين على وجه التحديد، وهو اتجاه بخلاف الاتجاه السائد: اتجاه المديح الأكثر انتشاراً وهيمنة على نوع الشعر. وقد تبين بشكل واضح مثل هذا النوع من الشعر في شعر الصعاليك الجاهليين، المطالب بالعدالة الاجتماعية، وتوزيع الحقوق داخل الأوساط الحاكمة في العصر الأموي والعباسي .
ان الأصوات الصادحة والكلمات الجامحة والافكار النيرة لشعراء يتغازلون حبا وودا لثورة باتت اليوم شعلة وهاجه وصل نورها لاقاصي العالم فهنا ينعتون ويبكون شهدائها وهنا يشيدون بدور المراءة العراقية في ساحة المظاهرات وتارة يلعنون الساسة واخرى يمجدون بكلمات لسواق التكتك لمواقفهم النبيلة .
ان انتشار القصائد والاهازيج الشعرية بين المتظاهرين يزيد من اصراهم فالشعب العراقي بطبعه المتذوق للحس الشعري والموسيقي وخاصة الشعر الشعبي او القصيدة العمودية .
الشعراء العراقيين شهدت لهم ساحات الوغى فوقفوا وقفة إجلال لتضحيات شعبهم وخلدوا قصائد وكلمات ماتزال محفورة في القلب قبل الذاكرة، أهدوها فنا عظيما وشعرا وزنه وزن الرصاص، مازالت الأجيال تردده وتحييه في كل مناسبة.
هكذا يندفع الشعر بوصفه تعبيرا وجدانيا انفعاليا مع الأحداث المختلفة التي يصنعها الإنسان أو التي تفرض عليه، فيعبر عنها ويجسدها، ويعكس ما فيها من سلبيات وإيجابيات؛ فهو الحاضر في ميادين النزال، كما في حفلات الأعراس، وفي مجالس اللهو والترف كما في مجالس الوعظ والإرشاد، وفي الفخر بالقيم النبيلة كما في ذم الخصال القبيحة، وفي رحاب الملوك والسلاطين كما في أكواخ الفقراء والمعدومين، وما شئت من الميادين والساحات والجبهات. 
دائما هناك حقيقة لانتصار الارادة في الوجود الوطني الحضاري وبما ان الالوان تتالف والقدرات تتكاتف بين ابناء الوطن فلابد لكل هذا الظلم نهاية الوطن المفقود له تأثير الكبير والخطير على جميع المستويات الفاعلة فيه ,من غني وفقير متعلم ومتسول وجاهل شاعر وفنان واستاذ ويشترك فيها جميع الناس الذين غاب فيهم الوطن وحضرت عندهم أجندات عميلة ليس من الشرف او من الغيرة العراقية تقبلها مهما كان نفوذها او هيمنتها .
وعلى الرغم مما تفرضه الحكومة العراقية والاحزاب والمليشيات من اعتقالات واغتيالات في صفوف المتظاهرين من اعلاميين وناشطين وشعراء لن يؤثر كل هذا على شعراء الثورة قيد شعرة على من حماسهم في نقل مجرياتها، فقد تعتري الشاعر أحيانا صدمة العظمة تجعله، حائرا فيتوقف عن الاندفاع والتدفق، ويمكث عن بعد يترقب ويلاحظ، دون أن يقوى على تحريك لسانه المبدع، بل دون أن تسعفه الكلمات للتعبير عما يرى ويسمع ذلك هو حال شعرائنا الشباب الذي هم قلباً نابض ولسان ناطق مع المتظاهرين في ساحات الانتفاضة العظيمة التي أذهلت العالم ببطولات أبنائها، ورسمت للوطن لوحة عز خالدة لا تؤثر عليها العوامل والمتغيرات. 
و هناك عتب من بعض المتابعين للاحداث على الشعراء التقليديين اختفت أصواتهم في هذه المظاهرات، ولم يرى لهم بيتاً واحداً يدعم الشباب، أو على الأقل يطالب بحقوقهم، وإنْ بطريقة غير مباشرة وحسب اعتقادي الشخصي ان صمت بعض الشعراء أمام عظمة ثورتهم لم يكن من قبيل التخاذل أو الخيانة بل العكس هو الصحيح إنه صمت المعجب والمعظم للحدث، فكأن ما يحدث في ساحة المظاهرات لا يحتاج أصلا إلى من يعبر عنه نتيجة لكونه جللا مثلما حدث مع الشعراء تجاه القرآن الكريم أثناء نزوله، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات شعراء قريش تستهزء بالرسول وقرآنه في عنجهية وتجبر وتكبر، نجد شعراء آخرين ممن صفت نفوسهم من الحقد والتحدي أخبرهم القرآن بما أتى به من بديع التصوير وجمال البيان وقوة الحجة، فكأنما يقولون لقرائهم ورواتهم ليس بعد هذا الكلام كلام؛ ولا نريد بمثال القرآن هذا المطابقة بقدر ما نريد إثبات أن قوة الحدث موجبة أحيانا للصمت عن التعبير عنه، أو بيان أولوية السكوت على الكلام القاصر عن بيان حقيقة ما يجري، فكأن الكلمات المترجمة له أصغر من أن تتحمل ثقل.
كما ان هناك الشعر الذي ولد مع ثورة اكتوبر دمج الغزل بين الثورة والمحبوب لتظهر لنا صورة رائعة الجمال عشق لاينتهي للوطن والمحبوب وهذا ماكتبته انا في ديواني الاخير قصيدة (ساحة الشوق والتحرير)
إزرعني .. 
تحت ظِلال أشعارك 
إنتزع عني عُزلتي 
إعقدني في دَلو الظمأ
دونك حَبل مَودتي
وأروي واحة الشوق
في عينيّ ومُهجتي
إنتشلني من وحدتي
فراشة أنا
دعني في دفئ كَفيك
آخذ غَفوتي
إرفعني الى عالمك
دعني أفهمك  
وأنتشل الحزن مِنك
وَأحمِلهُ في مُقلتي
ياكسرة الفُؤاد
والشَراب والزَاد 
ياسَاحةالتحرير
وكُل بغداد
يا كُل الأشعار
والمُعلقات
يامُلهم الروح
يانَبض الحياة ..
وعندما نقارن الشعر بأي ثورة فنحن أمام امرين اولا متعة الفن الشعري بخياله وتصويره وموسيقاه وثانيا متعة الموضوع بزخمه وروعته التي ستترك اثارا تاريخية في نفوس العراقيين ونجد أنفسنا مجبرين على استرجاع ماضينا لنقارنه بحاضرنا معاني وعواطف على مر الأزمان والعصور التي خلدها التاريخ من صفحات مشرقه مشرفة هناك ثورات امتدت لشهور وسنوات خلدت وراها شهداء وشعراء كتبت اسمائهم بحروف من نور ونار ان ولادة الثورة امر سهل لكو الاستصعاب يكون في استمرارها ايام طويلة مُرة لم ينته كابوسها إلا بعد تضحيات جسيمة فلا عجب إذن أن يخصص الشاعر كلمات تمجدها وتخلدها للتاريخ لتدرس وتعرف للعالم اجمع انها كانت ثورة عشق عراقي لوطن ثار من اجله ووهب دمائه من اجل اشراقة الحرية