يوسف أسونا

يمكن الجزم أن مهنة المحاماة من أهم الركائز التي تقوم عليها السلطة القضائية في ٱستظهار الحق لتحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون على كل شرائح المجتمع، ويُطلق على الشخص الذي يمارس مهنة المحاماة محامي ،ولاشك أن الغاية التي وُجد من أجلها كل محام هو حماية حق المواطن من الإنتهاك والسهر على إقرار
العدالة ونصرة الحق حيث يأخد المظلوم حقه وينال الظالم جزاءه،مما ينعكس بشكل إيجابي على صيانة العدالة وٱستقلالية القضاء وتطويره وتحديث أدائه. كما يمكننا القول انه لابد على المحامي أن يتحلى ببعض الصفات المهنية مثل الصدق أثناء المرافعة ويبتعد عن تشويه الحقيقة وحفظ أمانة موكله وكذا أمانة الهيئة التي هو تابع لها.
و هنا أشير أن مهنة المحاماة عرفت تطورا كبيرا نتيجة لتطور اجتماعي وثقافي متسرع ومتلبس ،حيث أضحت غير ماكانت عليه بالأمس لأنها وبكل تذمر وٱستياء تعرضت لهجمة شرسة من طرف تلة من الانتهازيين المتطفلين ،الذين حولوا المشهد المحاماتي والقضائي الى مرتع لإسترزاق وبؤرة لنمو الفساد وتنامي الأطماع حيث يسود الإستغلال وسوء التدبير ،فالمحامي الذي من المفروض ان يكون هو الرجل الذي يحتمي به المظلوم ،أصبح بلامبالغة مجرد وسيط بين موكله والمتقاضي، اذ بواسطته تُحدد المبالغ المدفوعة ،أي بالأصح ٱقتصر دوره فقط في صلة وصل بين الموكل والمسؤولين داخل المحكمة ،من هنا يمكننا ٱستحضار المقولة التي مفادها "لاتبحث عن محامي يعرف القانون ،بل ٱبحث عن محامي يعرف القاضي"،هذه المقولة بحد ذاتها كفيلة بتلخيص المبدأية الحقوقية برمتها ،ومن ثم توضيح مدى تحريف مهنة المحاماة عن مسارها ونبلها ،وبالتالي تفريغها من قيمها الإنسانية ومقاييسها الآخلاقية، علاوة على أن الوقائع والأحداث التي تغص بها المحاكم ودور العدل ،تبرز لنا كيف تحولت هذه المهنة من وسيلة للدفاع عن الحق الى معول هدام لبنيان نظام العدل ومخرجاته الحقوقية ،وفي المقابل تقدم خدمات متنوعة لمصالح الأقوياء ذوي النفوذ والسلطة ،كما تعمل على إعطاء شرعية للجريمة بمختلف صنوفها مثلا المحامي الذي يدافع عن مختلس او مغتصب او محتال !!؟ ،مع العلم أن دفاعهم عن مثل هؤلاء ،إنما يزهقون الحق ويؤيدون الباطل ،ويعملون بمختلف الوسائل من أجل ٱستصدار الحكم لصالحهم باطلا وزورا مما ينعكس سلبا بشكل مفجع على حقوق المواطن الذي يظل عاجزا عن التمييز بين الحق والباطل .
في السنوات الأخيرة ،تزايدت عدد الشكايات المقدمة ضد محاميين لإقترافهم جرائم عديدة خصوصا جرائم الإختلاس وخيانة الأمانة التي يرتكبونها في حق موكلهم عبر التماطل وإعطاء تبريرات لتبرير أفعالهم وإعطاء وعود كاذبة للموكل ،كما أن أطماعهم تتنامى الى حد السطو على أموال زملائهم في المهنة دون وجه حق.
مايهمني حقيقة في هذه الورقة هو الإدلاء برأي المتواضع على هذه التغييرات و الأفرازات التي عرفتها مهنة المحاماة ،وكل أمال أن يتغير الوضع نحو الأفضل ،وكما هي حاجتنا ملحة الى محاماة هادفة غايتها هو تنوير المحكمة بأراء ودلائل حقيقية من أجل إقرار العدل،يتميز المنتسبون اليها بمهنية عالية ،تخدم قضايا المجتمع وتقيه شر انزياحات المدنسين ،الذين لايلتزمون بالقيم الأخلاقية وضوابط المهنة وأخلاقياتها ،في ٱنتظار ٱرتقاء هذه المهنة الى مستوى تطلعاتنا عبر تحسين أداء العاملين فيها ودعمهم وتأهيلهم وإحداث آليات حديثة لتنظيم المهنة والرقي بها وتطهيرها من المتطفلين والانتهازيين .