نزار العوصجي

هنالك مثل شعبي ( أجلكم الله ) يقول : ذيل الكلب خلوه بالقصبة اربعين يوم وما تعدل ... 
تصر احزاب السلطة على ان يكون المرشح الجديد لرئاسة مجلس الوزراء، الذي يفترض به ان يشكل الحكومة المؤقتة، ضمن دائرة ونهج المحاصصة المقيتة، اي إنه حتماً سيكون من الأسماء التي شاركت في الحكومات السابقة، (مايسمى بالعملية السياسية)، وبهذا الترشيح فقد وضعت هذه الكتل المعايير التي اشترطتها الانتفاضة للمرشح خلف ظهرها..
ان التجاهل والألتفاف على التعهدات التي تضمنتها بيانات عصابات السلطة بإحترام إرادة المنتفضين، اصبح الان واقع حال، ولم يعد متغير الانتفاضة ضمن حساباتهم، كما ان المتابع لسلوكهم السياسي يلاحظ دون عناء انهم غير جادين في موضوع الانتخابات المبكرة، ومؤشرات ذلك عديدة منها ان قانون الانتخابات، الذي أثير عليه الكثير من الملاحظات، ما زال غير مكتمل وينتظر إقراره..
كذلك الإشكال الذي لم يحسم بعد حول بعض أعضاء المحكمة الاتحادية، الى جانب التسويف والمماطلة وتبديد الوقت عبثا..
فاذا كان مطلب التغيير الذي اطلقته الانتفاضة واستهدفت به تغيير أسس بناء العملية السياسية وتخليصها من المحاصصة والفساد، وترسيخ المواطنة، قد غدا غائبا عن جدول اعمال القوى المتنفذة، فان موضوع الإصلاح، دون المس بأساسها، قد اصبح في خبر كان..
واذا كان حال التعامل مع الازمة السياسية هو بهذا السوء، فكيف سيكون التعامل مع أزمات النظام المتفاقمة ؟ وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية، التي يتوقع تصاعدها بوتائر متسارعة تصعب ملاحقتها في اعقاب تراجع أسعار النفط، وانعكاسات هذا التراجع على الوضع المعيشي والاجتماعي والخدمي للعراقيين ؟؟
لا يمكن تصور حل ازمة معينة من أزمات النظام المستفحلة، بمعزل عن تفكيك الازمة المركبة المعقدة والمتشابكة للنظام السياسي، فلا حل لأية ازمة بمفردها دون إيجاد حل شامل وجذري لجميع الأزمات الأخرى ..
ولا بد من تسليط الضوء هنا على الازمة الاقتصادية وتداعياتها الكارثية المحتملة على الوضع المعيشي والحياتي والخدمي للمواطنين، حيث يعتقد اغلب المختصين ان كارثة معيشية قادمة لا محال، وان الامر لا يرتبط بانخفاض أسعار النفط فقط، رغم ان هذا سيترك اثارا خطيرة على الموارد المالية العراقية ،حيث أن استمرار هذا الانخفاض في الأسعار سيضيف اعباء وعجزا كبيرا في الموازنة، وسيوصل الحال إلى عدم قدرة الحكومة على تسديد رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين، مما سيجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات ستطال حتى أصحاب الدخل المحدود ..  
ولذلك لايمكن تصور انفراج اقتصادي وتحسن في الأحوال، ما دامت عصابات السلطة تتمسك بنهجها الاقتصادي العاجز عن توفير فرص عمل وعن تحسين الوضع المعيشي والخدمي للمواطنين، ويكفي هنا التذكير بإحصائيات حافة الفقر التي نشرتها وزارة التخطيط، لتبيان عجز النظام عن مكافحة الفقر المتصاعد، وتأشير حجم الخراب الذي يطال العيش الكريم..
كما تتناسى عصابات السلطة ان من اهم أسباب اندلاع الانتفاضة، هو الوضع المعيشي السيئ والبطالة وفقدان الامل في تحسن الأوضاع، وان احد اهم أهدافها هو توفير فرص العمل للشباب. لذا سيكون تردي الوضع الاقتصادي وانعكاساته السلبية على الوضع الاجتماعي عاملا محركا دائما، بل ويُتوقع تفاعله بقوة لتجديد عنفوان الانتفاضة، التي اذا تجددت بنفس الزخم، فستكون جارفة في قوتها وفي اندفاعها ضد أصحاب القرار الذين هم سبب كل ما حصل ويحصل..
ان طغمة الأقلية المستبدة التي وصلت الى الحكم في غفلة من الزمن ، تمترست خلف جدران خضرائه باتباع نهج المحاصصة الطائفية السياسية، ومن خلال تزوير إرادة المواطنين عبر منظومة انتخابات فاسدة ومزورة فرضتها بمختلف الأساليب، بهدف ترسيخ وجودها في السلطة التي أمّنت لها النفوذ والنهب المنظم للمال العام، كما ضمنت تحالفها مع الشرائح والفئات الطفيلية والبيروقراطية وأصحاب المصارف ومهربي النفط والمخدرات والتجار ذوي الصفقات المشبوهة الفاسدة، مشكلين جميعا منظومة فساد نخرت وتنخر مؤسسات الدولة..
ان هذه الطغمة التي كونت لها اتباعا وربطت بها فئات اجتماعية فاسدة عبر المصالح الضيقة بالضد من مصالح الشعب الذي نهبت ثرواته، هذه الطغمة وحلفاؤها النفعيون سيجدوا انفسهم في مقبل الأيام امام حساب الشعب العسير، ولن يصح الا الصحيح ..
وان غدا لناظره قريب...