ثائرة اكرم العكيدي 

بأسم أي قيم وأي تدين وأي التزام إنساني نسخر من آلام الآخرين ومعاناتهم؟ في النهاية هم أكثر تقدما ورقيا من الكثير من الدول العربية والاسلامية ..
لقد تجاوزنا بالسخرية ايضا ابناء بلدنا وعمومتنا ولم تنحصر على الصين او دول الجوار .. ليس معقول مايحدث لأي شخص اصيب بفايروس وتم اتخاذ كافه الاجراءات الطبية اللازمة وقامت الجهات المعنيه بسرعه الاستجابه واتخاذ الاجراءات الاحترازية بشكل تشكر عليه .
فما الهدف من تداول صورته والتعليق ووصلت الدنائه لعمل ستيكر عليه . 
الا هذا الحد انعدمت المشاعر والإنسانية وحتى في المرض نتشمت .
أصبح الموت القادم من الصين مدعاةً للسخرية والشماتة لدى بعض العرب، وكأننا نسبق الصين بآلاف السنوات، وكأن حياتنا لا تديرها المنتجات الصينية من آلات وملبوسات، كما أن أكبر أثره سيكون على تجارة النفط في الخليج والعراق، حيث يعتمد على أسواق الصين، في تصدير النفط .
علما أن من يستحق السخرية في الواقع هو نحن، لأن وباء كهذا لو أصاب أيا من بلداننا، لكنا ربما اليوم مهددين بالانقراض؛ في حين أن الصين استطاعت، إلى حد كبير، أن تحتوي الأزمة بإمكانياتها الطبية والعلمية، كما استطاعت أن تشيد وتجهز مستشفى في عشرة أيام مدة لن تكون بالتأكيد كافية للاجتماعات الأولية للجنة التحضيرية لبناء مستشفى في أحد الأقاليم بأي من بلداننا. لنتخيل ببساطة لو أن وباء كهذا أصاب وبهذا الحجم والمصاب اصاب دولا عربية مسلمة هل ستسارع باخذ الامور بجدية وسرعة انخاذ اللازم كما تفعل الصين التي يكنيها البعض بالدولة الكافرة والتي استفرت كل طاقتها من حكومة وموظفين ومسؤولين لتقف مع رعاياها المصابين ..
علينا بالتأكيد أن نخجل من أنفسنا .
هذا دون أن ننسى بعض الغباء الذي جعل هذا الوباء عقابا من الله بسبب اضطهاد الأقلية المسلمة في الصين. أي غباء يجعل شخصا ما يتخيل مثلا أن الوباء، في انتشاره، سيفرق بين المسلم والبوذي والملحد والمسيحي؟
لقد نظمنا عشرات المظاهرات والاحتجاجات بسبب كاريكاتير ساخر... بل أنَّ مِنا مَن قتل صحافيين في باريس بسبب سخريتهم من ديننا علما أنهم كانوا يسخرون من جميع مكونات المجتمعات المحيطة بهم ولا يحصرون سخريتهم في الإسلام. ومِنا أيضا من برّر ذلك القتل واعتبره ناتجا عن عدم احترام لمشاعرنا... وها نحن اليوم نتبادل من الرسوم والصور الساخرة بالعشرات، بدون أدنى شعور بالخجل من أنفسنا . 
يبدو أننا سوف نتوقف عن ترديد مقولة "اطلبوا العلم لو كان في الصين"، والتي كنّا نكتبها على سبّورة الفصل، ونحن صغار، ونعني بها أن علينا تحمُّل أعباء طلب العلم، خصوصا فصول المدرسة ذات الأسقف التي يتسرّب منها ماء المطر، وهي فصول مدرسة خاصة مدارس النازحين والمهجرين في شمال العراق وجنوبه .لكن ذلك لم يمنع أننا قد واظبنا على التعليم، ونهله منها، ما استطعنا. لم نصل إلى الصين، بالطبع، ويبدو أيضا أننا محظوظون لأننا لو رأينا الحيوانات التي يأكلها الصينيون لما فكّرنا بأن نحصل على علمٍ من بلادهم، ولكن بقليلٍ من العقل والتعقل سوف تهمس لنفسك، ما لنا ولمعتقداتهم فهم أصحاب دولةٍ متطورةٍ تنافس الولايات المتحدة الأميركية اقتصاديا، حتى انتشر هذا الوباء، وتساءلنا: كيف ظهر هذه الأيام على الرغم أنهم يتناولون حساء الخفافيش والزواحف والحشرات منذ آلاف السنين . 
تفسيرات وتأويلات كثيرة بشأن هذا الموت القادم وإن كان يؤكد على قدرة الصين، بوصفها دولة عظمى على المواجهة. ولنا أن نتخيل لو اجتاح هذا الوباء بلدا مكتظة بالسكان، في العالم العربي، كيف سيكون الأمر، مقارنة بجاهزية الصين التي شرعت ببناء المستشفيات الخاصة، وعزلت الولاية التي ظهر فيها المرض، وإنْ كان خطأ الشاطر الذي وقعت فيه الصين قاتلا، وهو أنها قامت بتطهير السوق الشعبي الذي ظهر فيه الطور الأول من الفيروس ما أضاع الفرصة للتعامل معه، وأصبحت المواجهة مع طورٍ أقوى، وأكثر شراسةً، فأحيانا يكون الحرص الزائد مدعاةً للخطر الزائد، مثل الأم التي تمنع طفلها من اللهو في الحارة، ولكنه يجرح نفسه بسكّين مطبخ بيتها الذي حبسته فيه، ليل نهار .
هناك السذج الذين يعتقدون أن أيّ وباءٍ يحل في الصين، أو أي بلد بعيد، سوف يكونون في منأمن عنه، ظنًّا منهم أن تلك البلاد بعيدة، ولكنهم لا يعرفون أن عجلة الزمن قد دارت، وأن البلاد التي كان يصل إليها المرء في شهور، وهو يرتحل فوق دابّة، أو على سفينة، قد تغرق قبل أن تبلغها، قد أصبح في الوسع وصولها بعد ساعات سفرٍ في الطائرة. ولذلك يصل أهلها إلى كل بلد لقضاء مصالحهم، والعدوى سرعان ما تتطاير منهم، فالشماتة ببلاد الكفر، كما يفعل السذج، ليست في محلّها، وربما لو انتشر مثل هذا الوباء في البلاد العربية، سوف يواجهونه، كما كانوا يفعلون مع مرض الحصبة، حيث كانوا يكتفون بتخصيص الملابس الحمراء للمريض، وكأن اللون الأحمر سيسحب الحمّى، وكما لا يزالون يفعلون مع صفار المواليد، حيث يلبسون المولود الملابس الصفراء، لسحب المادة الصفراء من دمه.
وبعض ممن ينظرون إلى الموت القادم من الصين أنه حربٌ بيولوجية جديدة، ينظرون بعين نصف نائمة للحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث تحتل الصين المرتبة الثانية، بناتج صناعي محلي يبلغ ١٤ تريليون دولار. ويرى محايدون الأمر ليس كذلك؛ لأن الحرب البيولوجية تكون على نطاق منطقةٍ ضيقةٍ محدودة، فيما ينتشر هذا الوباء سريعًا، ويتحدّى حدود الصين، ما يهدّد العالم بأسره. المستبِدِّون بغبائهم المتناهي لا يَقْدرون على التحدِّي، ولا يستطيعون المواجهة، ولا يُطيقون الحوار،ولايصنعون الحلول.
ثم، على هذا الأساس، يفترض أن نقتنع ربما أننا أكثر الشعوب التي يعاقبها الله، إذا تأملنا بموضوعية تخلفنا العلمي والأخلاقي والسياسي والتكنولوجي يمكن لمعتنقي ديانات أخرى أن يعتبروا مثلا أن الله يعاقب مسلمي اليمن وفلسطين والعراق وسوريا ونيجيريا وأفغانستان؟ ما سيكون موقفنا حينذاك؟ أم أننا وحدنا من نستحق وقوف الله معنا وتعذيب باقي خلقه من أجل سواد عيوننا المليئة بالحقد وانعدام الانسانية والانتقاص من الآخرين ؟
كفانا تأويلا للكوارث الطبيعية والصحية على هوانا. كفانا سخرية من مصاب الآخرين، في الوقت الذي نطالب فيه العالم بالاهتمام بمصائبنا.
لنعد لبعض الإنسانية الذي يفترض أن يكون فينا ولنعتمد لغات العقل والمنطق ونحن نقرأ الأحداث حولنا .