نهاد الحديثي
مع انتهاء المهلة التي حددها الدستور لاختيار مرشح جديد لمنصب رئيس الوزراء خلفا لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الذي أطاحت بحكومته تظاهرات تشرين، كلف رئيس الجمهورية برهم صالح، رئيس كتلة النصر البرلمانية، النائب عدنان الزرفي برئاسة مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة للفترة المقبلة.رئيس الجمهورية، وخلال مراسم التكليف أعرب عن أمله في أن يعمل رئيس الوزراء المكلف على إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة. وقال إن البلد يواجه الكثير من الازمات.و رحبت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق يونامي، وعلى لسان رئيستها جينين هينيس-بلاسخارت بتكليف عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة. وقالت بلاسخارت في بيان، إن العراق بحاجة ماسة لكابينة وزارية فاعلة. أمامها عمل شاق، والدعم من جميع القوى السياسية حاسم للوحدة الوطنية والنجاح. وعلى الرغم من أن التكليف لم يـأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة لمطالبة كتل برلمانية تجاوز عدد أعضائها المئة وخمسين نائبا، إلا أن كتلا أخرى لديها أجنحة مسلحة مرتبطة بإيران أصيبت بالهلع من هذا التكليف، معلنة معارضتها له وساعية لافشاله حتى قبل تشكيل الحكومة وعرضها على البرلمان

هناك بالتأكيد معارضون للزرفي في النجف وغيرها، وهذا أمر طبيعي، وهناك من يتهمه بالفساد وسوء استخدام السلطة، ومثل هذه التهم طالت كل الشخصيات العامة تقريبا. وهي في أحيان كثيرة تكون ملفقة بهدف تشويه سمعة الخصوم وتضليل الناس وخلط الأوراق وتعكير الأجواء، وأحيانا أخرى يقوم الفاسدون أنفسهم بإطلاق الأكاذيب حول خصومهم لدفع الناس إلى الاعتقاد بأن الجميع فاسدون. هناك أشخاص أدينوا (بالفساد) ودخلوا السجون، لا لأنهم فاسدون فعلا، بل لأنهم رفضوا الاشتراك في صفقات فاسدة، فلُفِّقت لهم تهمٌ وأدانتهم المحاكم ودخلوا السجون مظلومين
وينتمي الزرفي إلى الوسط الإسلامي الشيعي، وقد حكم محافظة النجف لأكثر من عقد من الزمن، إذ بدأ عهده مُعيَّنا من سلطة التحالف المؤقتة، لكن نجاحه في إدارة المحافظة وفرض القانون فيها قد اقنع أهالي النجف بانتخابه مراتٍ عديدةً لمنصب المحافظ. ويتميز ناخبو النجف بالوعي السياسي وقد أسقطوا شخصيات سياسية كبيرة عندما فقدوا الثقة بها، لكنهم واصلوا دعمهم لقائمة (الوفاء) التي يترأسها الزرفي وتشغل حاليا ثمانية مقاعد في مجلس المحافظة ,, ومقربون منه يصفونه انه امتاز بالشجاعة والوضوح والإقدام في عمله السياسي والإداري، وهذه صفات نادرة بين السياسيين العراقيين الذين اعتاد كثيرون منهم على المراوغة والتسويف والخداع وعدم الإفصاح عن آرائهم الحقيقية. كما امتاز بالحزم في إدارته الحكومية وضرَبَ بيد من حديد على المتجاوزين والمشاغبين، حتى أن عراقيين في محافظات أخرى طالبوا عبر وسائل الإعلام بأن يحكمهم محافظ كمحافظ النجف
انتمى الزرفي لحزب الدعوة الإسلامية في مطلع الثمانينات وشارك في انتفاضة آذار عام 1991 ضد النظام السابق، وفرَّ من العراق إثر فشل الانتفاضة إلى رفحاء في المملكة العربية السعودية، وأقام هناك لمدة عامين، قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه بدأ حياته إسلاميا، لكن انتقاله للعيش في الولايات المتحدة وممارسته الحكم لـ17 عاما في العراق قد اقنعاه بالانتقال إلى الجانب العملي العلماني في السياسة، فمَهَمَّة الحكومة هي تطبيق القانون وإقامة العدل وصيانة الحريات العامة والخاصة وحفظ الأمن وحماية حدود البلاد وإقامة علاقات خارجية مثمرة تعود بالنفع على الناس وتوفير الخدمات وتنمية الاقتصاد كي يوفر الوظائف للمواطنين، ومنح الفرص الملائمة للمستثمرين كي يساهموا في التنمية والتطور
ويرى نواب ومراقبون أن رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي يواجه عراقيل ومشاكل كثيرة وصعبة أبرزها معارضة كتل شيعية بارزة كانت تتفاوض منذ اسابيع لأختيار مرشح للمنصب بعد أن فشل رئيس الوزراء المكلف السابق محمد توفيق علاوي في الحصول على ثقة الكتل السياسية,, يأتي هذا فيما تتباين مواقف الكتل السياسية النيابية إزاء تكليف الزرفي ,, و إلمعارضون يخشون من أن الحكومة المقبلة، خصوصا إذا كانت مدعومة دوليا، سوف تحاسبهم وتكشف سرقاتهم وجرائمهم بحق العراقيين وتفكك مليشياتهم التي تمكنوا عبرها من السيطرة على العراق. وضوح الزرفي وخططه الرامية لمنع الجماعات المسلحة من المشاركة في الانتخابات قد أفزعتهم وجعلتهم يستنفرون قواهم لمنعه من تشكيل الحكومة. إنها مسألة مصيرية بالنسبة لهم ولأسيادهم خارج الحدود، لكنها أيضا مصيرية لباقي العراقيين المصممين على بناء دولة حديثة تحترم الإنسان وتساوي بين المواطنين. وهي أيضا مسألة تهم الدول الأخرى التي تسعى لتعزيز الاستقرار وإزالة بؤر التوتر في المنطقة
ونتساءل هل يدرك هؤلاء القادة الأخطار المحدقة بالعراق؟ كيف يفكرون وبأي منطق يحللون الأشياء؟ تفكُّك العراق وضعف الحكومة والأزمة الاقتصادية وتفشي الفساد ووباء كورونا وانتفاضة الشعب العراقي والأزمة السياسية الخطيرة وتدهور الأمن والخدمات وارتفاع البطالة وسيطرة المليشيات المسلحة على البلد والمجتمع وإيغالها في القتل والخطف والنهب، لماذا لم تدفعهم كل هذه الكوارث للتفكير بحلول عملية؟!! لماذا لا يفكرون بتقديم تنازلات سياسية كي يبقى العراق متماسكا وقويا، وكي يبقوا مشاركين في العملية السياسية؟نعرف بأنهم لم يجتمعوا يوما لمصلحة وطنية، لكنهم يجتمعون وينسقون ويتعاونون للاحتفاظ بمصالحهم ومصلحة إيران التي ترعاهم وتسندهم!!