علي العوادي

 عالمنا الواقعي مبني على علاقات إنسانية نابعة من أسس وأعراف اجتماعية وقوانين وضعية وجدت لتسير شؤون حياتنا اليومية ، عالم يحوي كل مشاكلنا ، طموحاتنا ، أحلامنا التي ليس لها حدود في هذه الحياة ، ومع تسارع التطور العلمي والتكنولوجي وجدنا أنفسنا - مجبرين- ان نعيش عالما ثانيا  يختلفا اختلافا جذريا عن عالمنا الواقعي ، انه عالم السوشل ميديا ، عالم جميل أشبه ما يكون بالحلم اللطيف ترى فيه - وبإرادتك - ما تريد وتُعرِض عما تريد ، تصادق من تشاء من رجال أو نساء وتنأى بنفسك عمن تشاء ، الانفعالات فيه وقتية لا تستمر كثيرا وقد تنتهي دون أن تترك أثرا ، عالم صار كالمرآة التي تعكس مستوانا الثقافي - دون تكلف على الاغلب - أمام الاخرين ، أما عيبه فهو عالم (وهمي ووهن) بحق ، فحتى ولو أصبحت لدينا قاعدة اجتماعية عريضة قوامها آلاف  الأصدقاء والمتابعين يمكن أن يذهب ذلك أدراج الرياح بسبب عطل في المصدر أو لضرورة ما من قبل المشغل ، وقد يكون لأسنان سمك القرش دور فاعل لايقاضنا من حلمنا عندما تعبث  بأسلاك الاتصالات البحرية.  

عالمنا الواقعي يرتبط ارتباطا وثيقا بحيثيات التقاليد والأعراف السائدة كما اسلفنا ، فهي أما أن تكون مستنبطة من عقائد وأديان المجتمع ذاته ، أوافعال وخصال  اكتسبت صفة الاستحسان والتنزيه فحصلت على إعجاب بناة المجتمع الأوائل فشاركتها الأجيال بعدهم فالبسوها جلباب التبجيل والقدسية أحيانا ، فعلى سبيل المثال يكون الشخص عاقا لوالديه دون نقاش ان اعرض بجانبه عنهما - بالطبع هذا في عالمنا الواقعي- ولكن إن رفض ذلك الشخص طلب صداقة من والده او والدته أو شقيقه في عالم السوشل ميديا (الافتراضي) فلا مشكلة كبيرة في ذلك وتبقى الأمور عادية والعلاقات الأسرية قائمة ، وإن ألقى أحدهم التحية على صديقه العزيز جدا ولم يرد عليه لا بأحسن منها ولا حتى بمثلها فذلك يعني أن هناك أمر جلل قد حصل ، وقد يتسبب في قطيعة لا رجعة فيها بينهما ، ما طرح آنفا يعني ان العالم الافتراضي قد يتوافق أحيانا مع عالمنا الواقعي الحقيقي في بعض صغائر الأمور لكنه يختلف اختلافا جذريا في معظمها ، فالمسلمات التي لايمكن تجاوزها فيما بيننا يمكن أن نضرب بها عرض الحائط في هذا العالم الجديد الذي اتاح لنا ان نتحدث ونكتب مايدور في خلجاتنا امام مجتمعات اوسع ، ونسمع ونشاهد منشورات الاخرين من مشاق الارض ومغابها  ، تارة نتفق على ما ينشر وتارة أخرى نعترض ، عالمنا الجديد كما أن فيه سلبيات لا يخلو من الإيجابيات ، فهو بنك معلومات متجدد ، وقرب المسافات فازدادت الاواصر الاجتماعية فيما بين الأفراد والمجتمعات على اختلاف ثقافاتهم ، سيما وأن حاجز اللغة تققهر أمام تراجم الاون لاين ، عالمنا الواقعي الحقيقي مسير وفق ضوابط وثقافات متفق عليها يترتب على مخالفتها عواقب قد تكون وخيمة ، لذا يفترض أن نضع لعالم السوشل ميديا الافتراضي - كما سماه مخترعوه - ضوابط وثقافات واضحة أيضا تعكس شخصياتنا الحقيقية وليست الوهمية التي نعتقد من خلالها أننا أصبحنا بين ليلة وضحاها - وبطريقة  copy pasteلبضعة اقوال وحكم - علماء ومفكرون وفلاسفة وزهاد ، وعلى الجميع أن يوافقنا الرأي فيما نكتب وننشر متناسين ان لكل شخص عالم خاص وثقافة تعتمد على ثوابت معينة لا يمكن سبر اغوارها بسهولة ، لا ضير على من يُحيِي صديقه على مواقع التواصل الاجتماعي من ان ينتظر مثل تحيته  او احسن منها ، او يتامل حروف استحسان من هذا الصديق او ذاك   على منشوره وما فاضت به قريحته ، ولكن ليكن في حساباته انه ليس لزاما على الجميع ان يقرأوا كل ما يكتب ويطلعوا على كل ما ينشر في هذا العالم الصاخب . الادهى مما ذكر في السطور اعلاه ان البعض ياخذ الامر على محمل الجد ، بل ويذهب بعيدا- بعد ان تعج في صدره روح الحقد - في اطلاق تسميات وصفات غير لائقة على من لايبدي تفاعلا ايجابيا مع آراءه ومعتقداته المنشورة سواء اكانت ادبية او دينية او سياسية فيسارع الى (تنظيف صفحته) من اصدقاء عديمي الجدوى او (اموات) كما يعتقد !...  وأخيرا وليس آخرا أن في كلا العالمين الواقعي الحقيقي والسوشل ميديا الافتراضي يستوجب علينا أن لا ننظر للآخرين بعين واحدة ، لأنهم سوف لا ينظرون إلينا بعينين اثنتين - على مبدأ المعاملة بالمثل - وأن لا نكون كالواقف على جبل يرى الناس صغارا فيرونه صغيرا أيضا مهما كان أسمه وكنيته ومركزه الوظيفي والاجتماعي.