ثائرة اكرم العكيدي
منذ أن كانت قمر طفلة صغيرة كانت تجرب أن تقوم بعمل حركة تتسم بالشقاوة مثل أقرانها كانت تسمع والدتها دائما تبلي النصائح لاخواتها الاكبر منها سناً وكانت عندما تغضب منهن تستغفر الله وتبتسم وتقول ادعوا الله انه لديكن اما مثلي لاتحاسب ولاتعاتب والدتي كانت تحب الجلوس في غرفتها كثيرا كانت تحب جو الهدوء ليتسنى لها القراءة والكتابة كانت والدتي مدمنة بالشعر وكتابة المقالات وكانت تقراء لساعات طويلة صامتة .كانت كلما تراني اجلس امام التلفاز تخاطبني بصوت المعاتبة. قمر ابنتي هل اكملت دروسكِ فالتلفاز لن ينفعكِ شيئاً ياعزيزتي اذا رسبت هذه السنة ..كنت فوراً اقفل التلفاز واتناول الكتاب للدراسة ..لا اجد احدا اتحدث معه كل افراد العائلة مشغول وانا بطبيعتي قليلة الكلام وحينما يسألني احدا عن شيء كنت اجيب على قدر السؤال فقط حتى عندما كنت اجوع كنت اذهب للثلاجة لأبحث عن شيء أكلهُ او اصنع بعض الوجبات السريعه كنت اعشق الاندومي كثيرا عندما دخلت مرحلة المراهقة اصرت والدتي على ارتدائي الحجاب رغم سكننا في مدينة متحضرة اوربية الثقافة لكن هذا لن يغير طبع والدتي شيئا فمنذ قدومنا لهذه المدينة استطاعت والدتي البقاء على هذه التقاليد والاعراف التي رباها والدها عليها رحمه الله وحملتها معنا منذ خروجنا للمدينة واستقرارننا هنا وبدورها انشئتنا على المثاليات والاخلاق التي ورثتها عن ابيها ..
احيانا اريد ان اتمرد هلى هذه التقاليد واحيانا اقول في نفسي ومما اراه من استهتار وتسيب فضيع لبعض الطالبات في مدرستي رحم الله جدي واطال الله بعمر والدتي ..
البعض يقولون ان شخصيتي انطوائية والبعض كان ينظر لي اني تلك الفتاة المتزنة الخلوقة كنت انفذ رغبات والدتي دون مناقشة او اعتراض فمنذ كنت صغيرة وبعد فقد الاب وجدت في والدتي صورة الام والاب والاقرباء جميعا
ذات مرة سمعت صديقة والدتي تقول لها
أنك قاسية في تربية بناتك وفي نفس الوقت صديقة لهن كيف استطعتِ عمل توليفة بين القسوة والصداقة وهل القسوة مطلوبة في تربية البنات اجابتها
انا لااقسو عليهن بالضرب حاشا لله ولكن اقسو عليهن بالكلام والمعاملة كمثل معاقبتهن على شيء بمنعهن من عمل شيء يحبونه ..اجابتها: لكن قسوة الكلام اعنف من قسوة الضرب: اجابتها والدتي:
اننا اذ لم نحسن تربية أبنائنا فإننا أول من سيدفع ثمن هذه الإساءة وقديما قالت العرب: إنك لا تجني من الشوك العنب.
كنت اسمعها واندهش لردود اجوبتها لطالما اعتبرت والدتي مثلي الاعلى ..
كانت اختي الكبرى كثير الجدل مع والدتي عندما كانت والدتي تنصحها وتعترض على بعض افعالها كانت اختي تنزعج وتهرول لغرفتها وتغلق وراءها الباب تلتفت لي والدتي وتقول لن تعي كلامي هذا إلا ان تتزوج وتصبح اماً.وفعلا بعد ان تزوجت اختي وانجبت بنت تغير موقفها من والدتي اصبحت اكثر اطاعة وتقبل مشوراتها ونصائحها..
والدتي كانت أما صعبة في تربيتنا فالمبادئ والقيم لامحل لها من الاعراب في زمن كثر فيه الغش والكذب وتسيب الاخلاقي والتفكك العائلي كانت تخاف اننا اذا كبرنا لن نستطيع تحمل المسؤلية خوفا من مامرننا به من ظروف صعبة فقدان الاب والعيش بعيدا عن الاهل والاقارب لكن بعد مرور السنوات تفهمنا ذلك وأصبحنا صديقات لها إلى درجة أن اختي المتزوجة تطلعلها على خططها اليومية لبيتها وابنتها، وتأخذ رأيي في أشياء كثيرة مرتبطة ببيتها..
كان عملي اليومي يقتصر على شراء الخبز من المخبز الذي مقابل العمارة التي تسكنها مع والدتها وخواتها الاثنتين وقد كبرت هذه المهمة بعد تعطيل الدوام المدرسي بسبب الحظر الذي اقيم على المدينة بسبب فيروس كرونا فتغير الروتين لجميع الناس كنت استيقظ منذ الصباح الباكر على صوت والدتي :قمر..قمر..هيا ابنتي انهضي واغسلي وجهك والبسي ثيابا محشمة واذهبي للفرن واشتري لنا الصمون كنت انهض بصعوبة جدا ولا اعترض لاني كنت احب امي كثيرا رغم اني نمت في ساعات متاخرة من الليل كنت اشاهد فلم رعب انا واخواتي ولم ينتهي الا عند الفجر ..
فتح باب الشقة واذا بصوت امي تنادي قمر.. هل ارتديتِ الكفوف والكمامات اجيبها بصوت عالي :نعم ياأمي ..نعم ...
نزلت درج العمارة وعند خروجي من باب العمارة رايت قرب الفرن تجمهر الناس حول حوله كان الوقت مبكرا في الصباح وضجيجهم المرتفع يخترق نوافذ البيوت المجاورة كنت متوقعة هذا اغلاق الافران ولمدة ثلات ايام بسبب الحظر طبعا سوف يؤدي الى هذا الازدحام الفضيع ولم يكن العاملون في الفرن أكثر من القادمين إليه والذي زاد الطين بله أن الفرن في الحي المجاور كان معطلا بسبب نقص في الدقيق. مد صاحب الفرن رأسه للمرة الخمسين يتأكد من ضخامة الحشد وكأنه اعتاد على تلك الحشود وقال بصوت عالي ارجوكم قفوا في طابور واحد واجعلوا بينكم مسافة متر رجاءاً لاتجعلوا رجال الامن يقومون بلغق الفرن بسبب هذا الازدحام ثم أدخل رأسه البيضوي يشغل نفسه بترتيب صياني الصمون غير مكترث بالأصوات التي تناديه وتعلو التعليقات من زبائنه هذا الرجل بطيء جدا وخرج صوت آخر يدل على انفعال صاحبه ارجوك لقد مرت نصف ساعة ونحن واقفون ..
وهنا رايت رجلا يرتدى بذلة عسكرية وعلق بعض النجوم على كتفه، ثم نادى على صاحب الفرن أسرع أليه وأشار له أن يدخل من الباب الخلفي ففعل. بعدها خرج مسرعا إلى سيارته الجيب العسكرية ومعه كيس صغير من الصمون في تلك اللحظة ، تحولت الأنظار جميعها إلى الضابط المظفر مندهشة من تصرف الفران . وأخذ الجمع يتموج ككتلة هلامية ثم ارتفع صوت عالٍ يندد بالخباز، وأردف آخر غاضباً هذا ابن الحرام يعطي الخبز لمن يشاء وكأننا لسنا بشرا" أخذ الطابور يميل للعنف وكثرت الشتائم على الفرن صاحب الرأس البيضوي. رفعت امراة اربعينية كانت تقف قربي رأسها متسائلة يتشاجرون على الخبز.. الله لا يشبعهم..كل هذه المشاكل سببه الفساد الذي نحن فيه وتوقفت لحظة وشدت شالها الأبيض الموضوع على رأسها ثم استأنفت وهي تدفع الناس من حولها ابتعد عني .
خف المكان بعض الشيء واخذ الناس حصتهم من الصمون وبقيتُ انا اخر المطاف. لاني لااحب الازدحام كان كلما جاء رجل او امرأة ورائي اعطيهم دوري واقف خلفهم واذا بوالدتي قادمة تعبر الشارع شرارة الخوف والغضب امتزجت على وجهها وعند وصولها لي صاحت بصوت عالي اين كنتِ ياقمر لقد مضت 20 دقيقة الفرن مقابيل العمارة لما كل هذا التأخير لم استطع الاجابة وكأن لساني انعقد ووجهي احمر من الخجل خيم الصمت قليلا ثم اجابها صاحب الفرن أختي العزيزة ابنتك هادئة وخلوقة كان المكان مزدحم ولم تشأ ان تدخل فيه انتظر الا ان يخف وتأخذ دورها وهاهو كيس الصمون جاهز تفضلوا شكرته والدتي وامسكت بيدي بقوة وعبرنا الشارع متوجهين للعمارة واثناء وصولنا للشقة رأيت ذلك الضابط العسكري كان يطرق الشقة التي مقابيل شقتنا وكانت تسكنها امرأه مسنة جدا وضريرة كان اهل العمارة يقومون بواجبها لانها مقطوعة من شجرة وكانت تعطي ايجار الشقة من تقاعد ابنها الشهيد كما ذكرت لوالدتي لقد استغربت كثيرا عندما رايت ذلك الرجل قرب شقتها محملا بانواع الاكياس من الخضروات والفواكه وبعض مستلزمات البيت الضرورية ووقع نظري على كيس الصمون الذي صارت الضجة عليه عندما اعطاه اياه صاحب الفرن دون الوقوف في الطابور وصار عندي فضول كي أسأله استغليت فرصة دخول والدتي البيت بسبب بكاء اختي الصغيرة بعد استيقاضها من النوم فتوجهة اليه وهو يسلم الاكياس لجارتنا المسنة ويقول لها تفضلي ياأمي واي شي تحتاجينه بلغيني فورا اخذت العجوز الاكياس وشكرته ودعت له بعدها نزل الدرج ليغادر العمارة ههمت بسرعه ولحقته وقلت لو سمحت ياسيدي قال نعم تفضلي.. قلت: سمعتك تنادي جارتنا بأمي بما انه هي والدتك لما انت مهملها ولاتسكن معها وتقوم برعايتها أجابني ضاحكاً هي والدة صديقي الشهيد سروان استشهد في كركوك اثناء التصدي لداعش منذ 4 سنوات وهو صديق الطفولة والعمر ولهذا اناديها بأمي وكان من واجبي ان اراعيها واسال عليها واقوم بواجبها قدر الامكان وأسف لاني ضرب الطابور عند الفران لاني مستعجل تعرفين ازمة حظر ونحن انذار،ولايسمحل لي بالخروج اثناء الواجب لكن اخذت ساعة زمنية فقط كي اوصل المؤنة الغذائية لام سروان فهي لامعيل لها ولا اهل ابنها الوحيد وزوجها الاثنان عند الله ..بعدهها قال استودعك الله واعتني بأمنا العجوز ..نزل الى الشارع واستقل سيارته الجيب وذهب بقيت انا شاردة اسال نفسي كيف حكم عليه الذين كانوا في الطابور فمنهم من دعى عليه ومنهم من شتمه وذمه وانا لو لم ارى بأم عيني اين ذهب كيس الصمون لاخذت نظرة سلبية على الفران والضابط ..ومع شرودي سمعت صوت والدتي قمررررر..اين انت ياأبنتي؟..اجبتها بشيء من السكينة وراحة البال انا هنا ياأمي قادمة ..دخلت الشقة واذا بوالدتي اين كنت؟قلت امي لما لانساعد جارتنا العجوز قالت انا دائما اسال عليها واعطيها مما اعطانا الله قلت: امي اريد ان اذهب اليها وانظف بيتها واساعدها في بعض الامور هل ممكن ..قالت والدتي ولما لا ياأبنتي عمل الخير لايتطلب اذنا ..وعند العصر اخذتني والدتي اليها وعند دخولي لصالة الشقة رأيت صورة ابنها الشهيد معلقة ومحاطة باكليل من ورد النرجس البري والشقة تاتي منها رائحة رطوبة بسبب عدم دخول الشمس لها قامت بتعريفنا قالت امي: ام سروان اقدم لكِ ابنتي قمر اصرت ان تاتي للتعرف عليكِ وسوف تقوم كل فترة بزيارتك ومساعدتك في بعض امور المنزل اجابت ام سروان: بارك الله لك فيها.. كنت اذهب اليها بين يوم ويوم انظف الشقة وافتح النوافذ لتدخل اشعة الشمس ويتغير الهواء وكنت اعد لها بعض الطعام وكنا نجلس سوية وتحدثني عن ابنها الوحيد وكيف كان بطل يعشق الوطن ووردةالنرجس البرية.. بعدها شعرت اني على قيد الحياة وعلمت ان البشر مهما علت مراتبه وكبر شأنه لايصبح انسان إلا حينما يمارس انسانيته تجاه الضعفاء ..
0 تعليقات
إرسال تعليق