قراءة نقدية في قصيدة "أغداً ألقاك" للشاعرة حنان أبو زيد
الإعلامي والناقد الأدبي: حمدي الروبي

اللقاء .. حالة وجدانية شديدة الخصوصية .. تستهوي الشعراء على تعاقب عصور الأدب ، ومهما تنوعت مذاهبهم وتباينت مشاربهم .. فينسجون حوله ، ومن أجله ، أدبيات تتفاوت جودة وتفردا. فإذا تناولنا واحدا من تلك النصوص تذوقا ونقدا فلابد من مظاهر معينة تكشف عن مواطن الجودة ، ومعايير نحتكم إليها في تحديد معالم التفرد في النص .. على أن يتم ذلك التناول النقدي في إطار من التذوق الهادف. 

وقبل أن أنقل للقارئ بعض ملامح رؤيتي لقصيدة " أغداً ألقاك" للشاعرة حنان أبوزيد ، أعرض وميضا من معاني "اللقاء" المتناثرة بين سطور هذا النص. فاللقاء في قصيدة " أغداً ألقاك" ليس مجرد إطار محدد وملموس في مكان و زمان بالمعنى المحسوس ، ولكنه حالة وجدانية صوفية ، مشبعة بالوله ، موشحة بالرجاء .. إنه تجربة روحية حاولت الشاعرة تجسيدها كيانا مدركا متذوقا من خلال معجمها
 الخاص وخيالها المتفرد وإحساسها الشفيف .. وهذا كله يتجلى الآن على بصر القارئ وبصيرته وأنا أصطحبه في نزهة روحية ممتعة.
إن اللقاء .. في قصيدة " أغداً ألقاك" .. حالة وجدانية .. جعلت " الفراق للروح عصيا " ، وبرغم أن هذا اللقاء يسبقه نداءات روحية ، فإن الشاعرة تقرر أنها تناديها  "هَمْساً وترْسلُ عشقاً نقيا " ، ثم تجعل عشقها النقي هذا مراقي للوجد تأسر الروح " فتطوي المَسافَات والبعد مكاناً قصيا " .. و "وجدانية" هذا "اللقاء" تجعل أنسام العشق تتهادى "َ كعود عنبر نَدِيّا " ، وتجسد عبير الوصال الناعم خمرا لا تدرك الشاعرة كنهه فتتعجل في رسمه حروفا وكلمات فتقول "يَرويني رَحيقَاً شَهيَا" ثم تخاله " شهداً ملَكيّا " "يروي نبضَه الروحَ والقلبَ" ولا تجد منه مهربا فتستسلم وهو يلقي بكيانها "في سويداء الوله نفياً شَقيا".
ومن الواضح أن الشاعرة تروقها هذه الحالة الوجدانية وتستغرقها حتى أنها تلح في وصفها بل وتطلبها من المحبوب كمعذب يهنأ ويستلذ بتعذيب المحبوب له فتناديه نداء الراجي المستغيث " هيا نلتقي لقاء العشاق بكرة وعشيا :: ونرتشف من كأس الهوى شراباً هنيا " ، وقبل أن يصدر جوابا أو رد فعل لطلبها تزيل من أمامه كل تردد فتقول له " أنا والحنين ظمئا فاسقني يا مقْلَتيَّا ."

واللقاء .. في قصيدة " أغداً ألقاك" .. حالة صوفية ، وليس مجرد تلاقي بين عاشقين .. تمازج يرقى إلى "مقام" الذوبان والتلاشي .. وصوفية الحب تشرق من ذلك الاتحاد الروحي والنفسي بين المحبين ، وهو ما نلمحه وميضا خفيا وظاهرا في قول الشاعرة "روحي و روحُكَ تنفسان الفَجْرَ سويا" 
"هلمَ إن نَجواكَ في الروحِ تُبقيني حَيَّا".
غير أن هذا الذوبان لا يطول ، وذلك الاتحاد الروحي لا يخلو من يقظة ووعي ، فسرعان ما تستعيد إدراكها الشخصي فتنفصل عن المحبوب ولو للحظات ، تعلن فيها غاية هذا العشق ، فتخاطب محبوبها في "مقام الشهود" بعبارات هامسة لازمت الشعر الصوفي في نماذجه المتفردة :
"أريدُكَ عاشقي ولمحرابي تظل وَفيَا
ونتلوا آية اللقاء تسبيحاً تكبيراً قُدسيَا"
وما أروع هذا الحب الذي لا ينفك عن تكبير وتقديس!.
والقصيدة تراها العين من بعيد غيمة تتزين بطقوس التصوف ومناسك أهل الحب الصوفي .. فشاعرتنا تقر في وضوح حين تقول "إذا التقينا عيناكَ تفصِحُ حُباً تَقيا" ، ولا ترى في أشواقها ذنبا تخجل منه أو تحاسب عليه وهي تناجي محبوبها معلنة "أتوق إلى رؤياكَ وما قُلْتُ غَيَّا".

واللقاء .. في قصيدة " أغداً ألقاك" .. ترنيمة صوفية ، مشبعة بالوله ، موشحة بالرجاء .. حتى أن العين لا تجد نوع عناء في رؤية مفردات هذا الوله أو إدراك صور ذلك الرجاء في قول شاعرتنا :
"الفراق عصيا" .. "تناديني هَمْساً" .. "يُناديني نسيم هواك" .. "يرميني نفياً شَقيا" .."هيا نلتقي" .. "نرتشف من كأس الهوى" .. "يَغدو وَليّا" .. "أنا والحنين ظمئا فاسقني يا مقْلَتيَّا" .. "أذوبُ همساً مَنْ لي سِواكَ يَحِنُو عَلَيَّا" .. "هيانَرْسُمُ حُلْمَاً بَهيَا" .. "أريدُكَ عاشقي ولمحرابي تظل وَفيَا" .. "َإن نَجواكَ تُبقيني حَيَّا".
وفي ختام إطلالتي على هذا النص الروحي المتميز ، آمل أن يجد فيه القارئ تحفيزا قويا لأن يقرأ نصوصا شعرية أخرى من هذا الطراز الروحي في عصور مختلفة ولشعراء مختلفين ؛ لعل ذلك يحقق له متعة روحية وعقلية نحتاجها جميعا اليوم في زحام الماديات وضجيج المحسوسات.
والآن أتركك عزيزي القارئ تعيد قراءة القصيدة مستمتعا ومتذوقا.

أغداً ألقاكَ إن الفراق للروح عصيا
أتوق إلى رؤياكَ وما قُلْتُ غَيَّا
إذا التقينا عيناكَ تفصِحُ حُباً تَقيا
تناديني هَمْساً وترْسلُ عشقاً نقيا
فتطوي المَسافَات والبعد مكاناً قصيا
يُناديني نسيم هواكَ كعود عنبر نَدِيّا
روحي و روحُكَ تنفسان الفَجْرَ سويا
وعبيرُ وصالكَ يَرويني رَحيقَاً شَهيَا
فيروي نبضَه الروحَ والقلبَ شهداً ملَكيّا
ليرميني في سويداء الوله نفياً شَقيا
هيا نلتقي لقاء العشاق بكرة وعشيا
ونرتشف من كأس الهوى شراباً هنيا
وإن أتى حبك ينادي قلبي يَغدو وَليّا
لنعزف للحب لحناً يُهديكَ عطراً زكيا
أنا والحنين ظمئا فاسقني يا مقْلَتيَّا
نهَفوا نحوَ هواكَ ساقَنا الاشتياق حَفِيّا
أنتَ بجوار الماء تحبو و عيناكَ الثُّرَيّا
أذوبُ همساً مَنْ لي سِواكَ يَحِنُو عَلَيَّا 
هيا بالوصال شوقاً نَرْسُمُ حُلْمَاً بَهيَا 
حَنيني إليكَ كالدماء غذاءٌ لوريديا 
فَكُنْ أنتَ بالحُبِ وَصْلَاً وتقرباً لَدَيَا 
أريدُكَ عاشقي ولمحرابي تظل وَفيَا
ونتلوا آية اللقاء تسبيحاً تكبيراً قُدسيَا
لنَصل الأشواقَ إن الهجران أشد عتيا
أناجيك فى ظلام الدُجى نداءً خفيا
هلمَ إن نَجواكَ في الروحِ تُبقيني حَيَّا