نضال العضايلة
قد يحتاج القلب المتوقف عن النبض إلى صدمة عنيفة تعيده للحياة من جديد، وأحسب أن المنظومة الحكومية في أمس الحاجة إلى صدمة إصلاحية مفاجئة تعيدها إلى جادة الكفاءة والنزاهة وإحداث التغيير الإيجابي في الجوانب الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.
قد يحقق خيار «الصدمة» وتتابع الإصلاحات بشكل سريع ومنضبط التحول الإيجابي الذي يبحث عنه الجميع، فجيوش البيروقراطية والفساد ربما أفشلوا المواجهة البطيئة، أو التقليدية التي اعتادوا عليها من قبل، وبخاصة في جهود مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، خصوصاً وأن تشعب الفساد وانتشاره بشكل عمودي وأفقي يجعل من استئصال، دون استئصال خلاياه المتمترسة في بعض الوزارات والهيئات والتي كانت تشكل خط الدفاع الآمن للفاسدين، أمراً مستحيلاً.
إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لا تقل أهمية عن صدمة مكافحة الفساد، فمن المستحيل لأي دولة المضي قدماً في إصلاحاتها دون توفر أجهزة حكومية قادرة على حمل أعباء الإصلاحات العميقة، تتميز بالكفاءة البشرية والقيادية، ولديها الطموح والإيمان التام بأهداف الدولة المستقبلية.
لم تعد ظاهرة الفساد قضية مرتبطة في البلدان الأقل تطوراً أو تلك التي تفتقد لسلطة القانون والمساءلة ولكنها أيضاً موجودة ومنتشرة في بلاد يسودها القانون والمساءلة وهو ما جعل من قضايا الفساد في رأس اهتمام السياسة والتنمية في العالم أكثر من أي وقت مضى بحثاً عن تحقيق الرفاهية الاقتصادية والتنمية المستدامة.
لقد بات من الضرورة بمكان تطوير آليات وحوافز الإبلاغ عن الاشتباه في الفساد، أو اكتشاف ثغرات وخلل في الأنظمة المطبقة، فتأسيس آليات عملية وقريبة من الموظف وتوفر له الأمان وعوامل الثقة في حال تقديم البلاغات، هذا التوجه يحفز على بناء النزعة الأخلاقية ويحولها إلى سلوك يمارسه ويحرص عليه الموظف، وربما يخدم تحقيق هذا الهدف الأخذ بتنفيذ قرارت ديوان المحاسبة بشكل سريع وفوري.
إن وجود الإرادة السياسية الفاعلة يجعلها تنجح في الحد من مظاهر الفساد بدعمها الهيئات المعنية، وإطلاق يدها، وحمايتها وتسليحها بالأدوات المناسبة، ثم بتفعيل القانون على الجميع دون استثناء، وهو أمر لا يمكن للنزاهة أن تتحقق بمعزل عنه.
آفة الفساد تعتمد على ضعف المؤسسات الرقابية وتراجع القضاء وتأثر استقلاليته وارتفاع وتيرة البيروقراطية في مؤسسات الدولة، وأن مبدأ الشفافية في التعاملات الإلكترونية أصبح الهدف الأول للدول لاجتثاث هذه الآفة.
ولا شك في أن جميع أطياف المجتمع يدعون للإصلاح وقد يتفق الجميع في الإصلاح والقضاء على الفساد، وإن كانوا صادقين أو كاذبين في دعواتهم، إلا أنها دعوة تهدف إلى إقصاء أصحاب البطون الحمراء واستبدالهم بآخرين ممن يمكن أن يكونوا غير ملوثين.
نتفق جميعاً على أن الإصلاح قيمة إنسانية عظيمة ومطلوبة شرعا وعقلا، لكن هل كل من نادى وهتف بالإصلاح يسعى إليه قولا وعملا؟، كما أن إطلاق مفهوم الإصلاح لكل عمل فاسد هو جريمة بحق الأرض والعباد ، وليس غريبا أن المفسد قد جرب جميع أساليب "البلع" المتاحة تحت مفهوم الإصلاح، وهو طريق للصعود على أجساد الشرفاء وتدوس الرقاب وتشرب من دماء الوطن بحثا عن مزيد من الثراء.
لذلك بات على الحكومة أن تستورد شرفاء من هذا الشعب بمن لا يغريهم بريق المنصب ولا متاع الدنيا ولا همهم تجميع أموال الشعب وملء البنوك بأرصدة خيالية وتبدي مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية.
وأخيراً فإن من أهم العوامل المغذيّة لاستشراء الفساد، التي إن تمَّ السيطرة عليها بفاعلية، فإن أجزاء كبيرة من حممه البركانية ستنطفئ تماماً، بل ودون أعباء أخرى ستمهد لإطفاء البراكين الأصغر منها، : * أن يكون هناك من يرى نفسه فوق الأنظمة، فلا يجد أية عقبة تقف بوجهه،ويزيد الأمر سوءاً وخطورة أن تتشظّى عند قدميه العقوبات، * ترهّل بعض الأنظمة، أو مبالغتها في التعقيد،ما يدفع إلى تجاوزها بأي وسيلة، * استشراء الفقر وتدنّي الدخل للعاملين في القطاع الحكومي.
0 تعليقات
إرسال تعليق