سيف الدين ناصر 

نحتاج أحياناً الى مراجعة للتأريخ وإعادة تحليل لبعض مجرياته وأحداثه وخصوصاً المفصلية منها والتي قد شاركت برسم ملامح مستقبلية ترجمة لخطط ومناهج خطيره . 
خطاب خميني في ١٩ تموز ١٩٨٨ الذي مرت علينا ذكراه قبل أيام والذي وجهه للشعب الإيراني والعالم ليعلن فيه موافقته على القرار ٥٨٩ الصادر عن مجلس الأمن واحد من بين تلك الاحداث التي كان لها ارتدادات رسمت مسارات سياسية للثورة الأيرانيه . 
كان الخميني رافضاً بتعنت للقبول بقرارات مجلس الامن بل كان قد صرح بانه سيقاتل حتى اخر نفس وآخر قطرة دم وبهذا التعنت حمّل النظام الأيراني المسؤلية التأريخيه والقانونية لإطالة أمد الحرب منذ ان وافق العراق على قرار مجلس الأمن ٤٧٩ في ٢٨/٩/١٩٨٠ وجميع القرارات اللاحقة لمجلس الأمن ( ٥١٤ ، ٥٢٢ ، ٥٥٢ ، ٥٨٢ ، ٥٨٨ ، ٥٩٨ ) . 
عودةً لخطاب خميني وفي أولى فقراته يعزو قبوله بالقرار ( بسبب ما إستجد من أحداث وعوامل أخرى امتنع عن ذكرها في الوقت الحاضر ) وهو يرجع تلك الأسباب الى اراء القيادات العسكرية في الجيش والحرس الثوري والى اراء مصلحة تشخيص النظام ويبرر الموافقة بمصلحة الأمة والثورة رغم انه كان يفضل الموت والشهادة على ذلك كما ذكر بخطابه . 
( تباً لي الذي بقيت حتى هذه اللحظه وشربت كأس السم بقبول القرار واني اشعر بالخجل امام عظمة وتضحيات هذا الشعب العظيم ) هذه هي الجملة الأكثر شهرةً في الخطاب والتي تفضي الى مقدار الأنكسار والأنهزام النفسي والمعنوي في شخص الامام ويقودنا الى التفكير في حجم الهزيمة وتقديراتها والتي وردت في تقرير الخبراء العسكريين مما اجبرته على القبول المذل . 
الرسائل الأخطر هي التي وردت في الصفحة الثانية من الخطاب وهي عبارة عن وصية للمسؤولين الأيرانيين وللشعب الأيراني سواء كان بينهم أو لم يكن بعدم السماح لكل من لم يشارك في الحرب والقتال وان لا يدعوا النسيان يلف رواد الشهادة والتضحية . الأمر الآخر هو ان القبول بالقرار لا يعني ان الحرب قد انتهت بل يوصي بالتصدي لشيطنة الأستكبار والعراق . ويحذر كل من يكتب في الصحافة او في الاعلام الصديق او المعارض من طرح تساؤل اين ذهبت التضحيات ؟ وما استفدنا من حرب ٨ سنوات ويطال بحسابه برغم حرية الرأي التي جاءت بها الثوره . 
الجزء الأخير من الخطاب هو جزء روحاني يغازل فيه العقول الجاهله بان ما دفعه للحرب هو الواجب الإلهي وانه يعلم من الغيب مالم تعلموه وان من سيعوضهم عن مرارة هذه تلك الأيام حلاوة فرج ظهور الغائب واللحاق بركبه . 
هكذا انتهى الخطاب واعترفت ايران بالهزيمة وعدم قدرتها على الاستمرار وهي التي جاهرت بالعداوة للعراق منذ اول رد على رسالة الرئيس احمد حسن البكر بالمباركة بالثورة والتي بدأوها بعبارة السلام على من اتبع الهدى ، انتهى الخطاب ولكنه أسس لمرحلة جديده عنوانها ان الحرب لم تنتهي وان الحقد الأكبر هو في صدور ذوي القتلى والمعاقين جراء الحرب وهم من يستلم مقاليد الحكم الان بل واكثر البرلمانيين نقماً وحقداً ومن يطالبون بمحاكمة الطيارين وضباط الجيش العراقي المشاركين في الحرب هم من ذوي ضحايا الحرب . حينما اودعت الطائرات المقاتلة العراقيه لدى ايران كان الإيرانيون يأخذون الطيارين بجولة في العجلات ليشاهدوا مواقع قصفتها القوة الجوية العراقيه ابان الحرب في المدن والتي حولوها الى ساحات وقد احاطوها بأسيجة وتركوها بلا اعمار او إزالة ليتذكرها الجيل اللاحق ممن لم يحظروا سنين الحرب على العكس من الحكومة العراقية التي كان اول قراراتها إزالة اثار العدوان وطي صفحة الماضي . 
نسمع كثيراً من الناعقين اليوم الذين يبثون سمومهم باثارة التساؤلات عن ماذا كسبنا من الحرب ؟ وان ايران اليوم تغلغلت وانتصرت وأقول لهم من جعل رهبرهم يتجرع السم بالمواجهة الشريفه قادر على جعل اتباعه يتجرعونه رعافاً بعد ان تسللوا كالأفاعي مستعينين بذيولهم وعملاءهم وبالعكس تم كشف زيفهم وبانت أطماعهم في جعل العراق ضيعة اذلال وشعب العراق عبيد لغرورهم .