وسام رشيد الغزي

 

الاستقرار النسبي في منطقة الخليج العربي وشمال شرق العراق بمنتصف القرن الماضي والذي انعكس بشكل إيجابي على مسارات العملية السياسية، وحركة البناء والإعمار والنهضة الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على حياة المواطن ومستوى التطور في العراق، هذا الاستقرار يعود الى أن أغلب دول المنطقة تدور في فلك السياسة الغربية بتلك الفترة.

 

طبيعة العلاقات بين دول المنطقة تقوم على أسس التحالفات الخارجية وتأثيرات الدول الكبرى على التوجهات الاستراتيجية لتلك الدول، ذلك لعدة أسباب أهمها العامل الاقتصادي والاعتماد على تجارب رائدة في الاقتصاد، وأسباب داخلية تتعلق بالأنظمة الشمولية، وهذه التخندق يكون لصالح القوى الكبرى بطبيعة الحال وهي المسؤولة عن فرض الأمن والاستقرار بما يخدم مصالحها بالدرجة الأساس.

 

وبعد التحوّلات التي شهدتها بعض الأنظمة السياسية في المنطقة في نهايات القرن الماضي وتغيير قواعد اللعبة لسياسات القطب الواحد، حيث انعكست بشكل على أداء الحكومات في هذه المنطقة، من نواحي عدة أهمها التمحورات ذات البعد الايديولوجي للأنظمة الحاكمة، ومصلحة النظام ذاته بعيداً عن مستقبل شعوبها كما حدث مع العراق مثلاً، فلم تكن السياسات الخارجية بمعزل عن التخبط وفقدان التخطيط، وتجاوز الأزمات بمنظور براغماتي، بل كانت تتعاطى مع الأحداث من منطلق عاطفي غير مدروس

 

المصلحة الوطنية في كل خطوات السياسة العراقية تجاه دول الجوار وخاصة الخليج - إيران - تركيا ولسنين طويلة من النظام السابق الى النظام الحالي لم تكن حاضرة، فمصلحة ومستقبل البلاد مجرد خطوات وقتية للسير باتجاهات متعددة لم تجلب للعراق سوى مزيداً من المشاكل التي تطورت لمعضلات قد توقف أي جهد مستقبلي للتغيير، وإنتشال الواقع بعيداً عن التمحورات غير المحسوبة، والتي تخدم الجميع الا العراق.

 

بناء الدولة ومؤسساتها الاقتصادية بحاجة الى الاستقرار السياسي والأمني، وهذا يتطلب فتح أفق من العلاقة المتوازنة مع الجيران، تضع مصالح البلدان فوق كل الاعتبارات الأخرى، وتذهب بعيداً حيث مستقبل الشعوب، علاقة تعتمد ثوابت المصالح الوطنية من جهة وتوازنات المصلحة القومية، التي تتطلب حكمة كبيرة، وفَهم مشترك لجميع القوى السياسية حول أهمية تلك العلاقة، والنأي بالنفس بعيداً عن الأحداث التي من جَر البلاد لموقع مواجهة افتراضية غير مجدية.

 

واقع البلاد المرير نتيجة طبيعية لسلسلة السياسات السابقة التي جعلت من العراق مساحة لتصفير حسابات دول إقليمية وكبرى، مع بعضها البعض، وهو أمر طبيعي لدولة تعتمد جملة من الخطوط السياسية تسير باتجاهات متعددة، وكل توجه يخضع لفلسفة فهم وأجندة وان كانت وطنية بعنوانها العام، لكنها تمثل فئة محددة من الوان الشعب العراقي، هذا الفقدان لوحدة الهدف ووحدة المضمون كان أحد أهم أسباب تداعي العلاقة المصلحية لحساب مصلحة الغير.

 

توحيد الخطاب ووضع استراتيجية ثابتة ذات صيغة وطنية ومنهج يتوافق مع حاجة البلاد لمقومات الاستقرار، وضمن الغطاء الشرعي والدستوري للدولة العراقية، مع ترسيخ منظومة عمل برلمانية كونها تعكس الوجه الديمقراطي التعددي في العراق، جميعها ستكون حاضنة أمينة لتحقيق إنجازات تصب في الصالح العام، بشكل متوازي مع عزيمة الشعب ورغبته للانطلاق نحو أفاق واسعة من التطور، ومواجهة التحديات وتحقيق أحلام شبابنا وبأجواء حرة وبيئة عمرانية وحياة كريمة.