مهند العزاوي*

يمر العراق بظروف غايةٌ في التعقيد ، مع استمرار احتقان الشارع العراقي ، وتردي أداء النظام السياسي ، وتغول السلاح خارج الدولة ( الكيان الموازي) ، فضلا عن التدخل الإقليمي السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وقد صوت مجلس النواب العراقي في 5-1-2020 وفي جلسة استثنائية بحضور رئيس الوزراء المستقيل “عادل عبد المهدي” على قرار يلزم الحكومة بإنهاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وإنهاء أي تواجد للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية

وكان التحالف الدولي ضد تنظيم داعش قد أعلن في التاسع من كانون ثاني، يناير 2020 ، عن تعليق أنشطته العسكرية في العراق، وذلك للتركيز على حماية القواعد التي تستضيف أفراد التحالف، موضحا أن “الأنشطة التي تم تعليقها تشمل التدريب مع الشركاء ، ودعم عملياتهم ضد داعش”، وشهد العراق سلسلة انسحابات للقوات الامريكية من مايقارب 20 قاعدة أمريكية ، وكان الرئيس الأمريكي  “دونالد ترامب” قد أعلن مطلع العام الحالي عن تخفيض عدد جنود الولايات المتحدة فى العراق، ومن المتوقع ان يتم سحب عدد اكبر من القوات في ظل التطورات الحالية .

التحالف الدولي ضد داعش

تم تشكيل التحالف الدولي ضد داعش في أيلول عام 2014.والتزم أعضاء التحالف الدولي الـ 82 بمواجهة تنظيم داعش على مختلف الجبهات ، وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته العالمية، وبالإضافة إلى الحملة العسكرية التي ينفذها التحالف في سوريا والعراق، وتحت هذا البند عملت القوات الامريكية في العراق بشكل مباشر مع القوات العراقية وقدمت لهم خدمات متعددة أهمها : إعادة تنظيم القوات العراقية بعد نكبة الموصل ، توظيف الجهد الفضائي والاقمار الصناعية ،  الاستخبارات ، المعلومات ، اسناد الجهد الجوي، الطائرات المقاتلة ، الطائرات بدون طيار (الدرون) ،المروحيات ، الامداد اللوجستي الجوي ،  التدريب ، المشاركة في التخطيط للعمليات ، حتى الإعلان النصر على داعش في  9 ديسمبر (كانون الأول) 2017.

تحديات الواقع العسكري في العراق

يعد الواقع العسكري العراقي انعكاسا للواقع السياسي ، ويثير تساؤلات عديدة عن المدى الزمني لاستقرار العراق من عدمه ، لاسيما ان السياقات العسكرية والاستراتيجية الشاملة ، تستمد أهدافها من التحولات السياسية للقوى والأحزاب والمليشيات المسلحة ، وليس وفقا لمحددات البيئة الاستراتيجية العراقية ، والتهديدات العسكرية التي تتعلق بالتهديد الحالي والمحتمل والافتراضي والمتوقع ، ويجعل المسرح العسكري العراقي متخم بالتناقضات العسكرية والأمنية مما يحول دون استقراره ، ولعل من الضروري معرفة اهم عناصر الواقع العسكري العراقي وتحدياته وهي :

تعقيدات مسرح الحركات العراقية وتنوع التهديدات الخارجية ، دون الاخذ بنظر الاعتبار خطورة توغل عسكري نظامي، او شبه نظامي لدول الاقليم ، وقد حصل بالفعل من شرق وشمال العراق
عدم اعتماد خطة دفاعية للجيش العراقي ، تعالج الصفحة الحيوية المتعلقة ، بمسك الحدود ومنع تسلل الأسلحة والمسلحين للداخل العراقي، وتعزيز الاحتياطات الثابتة والسيارة للمعالجة الفورية .
استخدام الجوفضاء العسكري العراقي من قبل فصائل ولائية، لدواعي الرصد ، والعمل العسكري ضد القوات الأجنبية المستقدمة بموافقة الحكومة العراقية ، بما يخالف الأعراف الدبلوماسية ، والقيم العسكرية النظامية والقانونية ، وقواعد الاشتباك المنصوص عليها.
استخدام الجو العراقي من قبل القوات الأجنبية والإقليمية في العمليات غير الرسمية ، باستخدام طائرات النقل ، والطائرات المقاتلة ، والطائرات بدون طيار، والصواريخ .
عدم اكتمال عناصر القوة والاسناد الحديثة للجيش العراقي ، واضطراب محددات البيئة العسكرية العراقية ، نظرا لتراجع دور القوات المسلحة النظامية ، وتهميش مهامها ، والاعتماد على الفصائل المسلحة شبه النظامية ( المليشيات) في المهام العسكرية
تداخل الصلاحيات وتعدد مراكز القوة والقرار ، وترهل القيادات دون اعتماد مبدا تجحفل التمركزات
توظيف الإرهاب كأحد أدوات العلاقات الدولية ، والمتعلق بالنمط الصراعي ، واحد أدوات الدبلوماسية القسرية، أو القهرية، أو الإكراه الإستراتيجي، لفرض واقع يحقق طموحات إقليمية ودولية غير مشروعة

اسباب الانسحاب   

ذكر الناطق الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء “يحيى رسول” في تغريده له على تويتر في 25-7-2020 ” ضمن الاجراءات الخاصة بتسليم قوات التحالف الدولي للقواعد والمعسكرات في العراق، لقد استلمت القوات العراقية معسكر بسماية جنوب شرقي بغداد من قوات التحالف الدولي بعد انسحابها منه ، وهو الموقع السابع الذي تم تسليمه الى القوات العراقية ضمن خطة الانسحاب وفق جدول زمني“، وكانت القوات الأمريكية قد انسحبت من 18 قاعدة عسكرية فى العراق في فبراير ومارس الماضي ، ويمكن مناقشة اسباب الانسحاب الأمريكي على العراق، ويعد قرار الانسحاب امرا منطقيا ، ويبدوا لي الأسباب هي:

ارتفاع وتيرة الصراع بين الصين والولايات المتحدة ، ما يعيد النظر بسياق الانتشار العسكري الأمريكي
رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من العراق ، وعدم خوض حرب بالوكالة
يتطلب الصراع الانتخابي في الولايات المتحدة تعزيز حظوظ الرئيس الأمريكي ، وقد يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار سحب القوات الامريكية من العراق بشكل كبير .
تأثير جائحة كورونا الصحية على المجتمع الأمريكي والقوات المسلحة
ارتفاع مستوى الاحتكاك العسكري بين الفصائل الولائية والكيان السياسي والعسكري الأمريكي والمتمثل بقصف محيط السفارة والقواعد العسكرية دون قدرة حكومية على ردعها .
وجود فئة سياسية مجافية للوجود العسكري الأمريكي في العراق بغض النظر عن الراي الشعبي
تطور سياق الحرب المعاصرة الذي اضحى يعتمد على تطور تقنية القدرات العسكرية ، والأسلحة الذكية ، والحرب السيبرانية، والعمليات الشبحية ، بدلا من سياق الحرب التقليدية

تأثير الانسحاب الأمريكي

استراتيجيا تفقد الولايات المتحدة التواجد ( سياسة الوصول) لصالح روسيا والصين ،لاسيما ان الصين تخطط لعقود طويلة الأمد في العراق ، مما يجعلها تسيطر على اهم رقعة استراتيجية بالشرق الأوسط ، لجانب حليفتها روسيا التي تهيمن على الرقعة السورية المطلة على المتوسط
على مستوى الإقليمي لن يؤثر الوجود الأمريكي على التمدد الإيراني والتركي في الجوار العربي ، ومن المرجح ان يرتفع ضجيج التنافس الإقليمي ، وصخب المليشيات والتنظيمات الإرهابية التابعة لها، وسبق ان ذكرنا انها أضحت احد أدوات الاكراه في العلاقات الدولية المعاصرة
لم يعد العديد العسكري مؤثرا ضمن سياق الحرب المعاصرة بسمتها المركبة ، ويلاحظ ان الحرب تعددت اشكالها بين حروب شبحية وسيبرانية وجرثومية ، ضمن سياق التنافس السياسي الدولي على الشرق الأوسط ، اذا ان الانسحاب لا يؤثر على حالة الاستعداد القتالي للولايات المتحدة الامريكية، ويمكنها ذلك ان قررت استبدال سياسة الاحتواء الى سياسة الردع او الحرمان .
معادلة القوة المسلحة المكلفة مقابل القوى الوكيلة المنخفضة الكفة تشكل عبئ على متخذ القرار، ومسألة فك الاشتباك بينهما امراٌ ضرورياٌ ، تحسبا لاي عمل عسكري مقبل ، يتطلب ترقيق القطعات العسكرية النظامية ، حتى لا تكون عرضة للاستهداف ، اذ من المحتمل ان يقترن الانسحاب كتكتيك بتحسب استراتيجي ، يتعلق بعمل عسكري هدفه الفاعل الأصيل وليس الوكيل .
يخشى البعض في العراق من تأثير الانسحاب الأمريكي ، وهيمنة الكيان الموازي على الدولة العراقية ، وهو امرا متوقع ومحفوف بالمخاطر من عدة نواحي ، ولم تقدم الولايات المتحدة خطة او حلول لمعالجة هذه المخاطر اثناء بقائها في العراق او بعد انسحابها .
من المحتمل ان تتطور الفوضى المسلحة في الشرق الأوسط ، وتطال دول أخرى في ظل ضجيج التنافس الإقليمي وصخب القوى الوكيلة التابعة لها .


*استراتيجي مختص بالشأن العراقي