عبد الحميد الصائح
 
أنهت جمعية ُالحقوقيين العراقيين بالمملكة المتحدة في شهر تشرين الثاني من عام 2002 مشروعَ العدالة الإنتقالية في العراق ،ونشر المشروع كاملاً  في عدد مزدوج للشهرين 11و12 من مجلة (الحقوقي) التي كنتُ أديرُ تحريرها  على وجه السرعة، فقد كنا ننوي طباعته كتابا مستقلا بعنوان ( العدالة الانتقالية في العراق) لكن الراحل الدكتور طارق علي الصالح  رئيس الجمعية والمشرف على المشروع والمجلة  اقترح الإسراع في ذلك واستثمار موعد عدد  (الحقوقي ) المؤجل ليكون خاصا بالمشروع .
ضمّ هذا المشروع نخبة من خيرة المحامين والقضاة واساتذة القانون العراقيين بجامعات عربية وأجنبية في دول المهجر ، فرصتي الثمينة النادرة كانت تكليفي من قبل الجمعية ورئيسها بمسؤولية البحوث والنشر ورئاسة تحرير صحيفة (إنسان) التي  تصدرها  الى جانب عملي في (الحقوقي) ، مما تطلب مني أن اقرأ بحوثَ جميع المشاركين وأيضا القوانين واللوائح في المجال الجنائي والأحوال الشخصية والدساتيروغيرها الكثير قبل نشرها وأن اتعرف عليهم وأحضر جميع مؤتمراتهم بل أساهم فيها بحكم عملي  وايماني أيضاً بهذا المشروع الذي بُني على افتراض : اذا ماحصلت الحرب على العراق فان هذا القانون ينقده من الفوضى ، انه العدالة الانتقالية ، او مايعرف بالانكليزية – - Transitional Justice   النظام الذي يطبق في البلدان التي يحدث فيها تحول نحو الليبربالية من أنظمة شمولية مختلفة، ولذلك  عقد المشاركون اجتماعاتٍ في لندن ودول أخرى أبرزها ايطاليا حيث مقر المحكمة الجنائية الدولية في مدينة سيراكوزا بجزيرة صقلية ، 
استمعنا الى تجارب للعدالة الانتقالية ، في جنوب افريقيا والبوسنة والهيرسك ورومانيا بعد تشاوشيسكو ، وكل مشروع وبلد له ظرفه ، انه موضوع مفصل سياتي الحديث فيه مني أو من المشاركين الأساسيين فيه يوماً ، لكن ما أريد قوله هنا باختصار : 
إن هذا المشروع الذي لم يطبق بعد التغيير مباشرة كما قررله، كان يمكن أن يساعد كثيرا في تجاوز المرحلة دون خسائر واخطاء، فالعدالة الانتقالية بوصفها تطبيقاً مرحلياً للقانون ومحاسبة المجرمين ومنتهكي حقوق الانسان في النظام السابق فانها في جوهرها تسعى الى بناء بلد قوي ومجتمع متماسك ،أية انتقائية أو تسرع او تطرف او انحياز في تطبيق بنودها يحرف هدف المشروع من أساسه .
حيث لايمكن تحقيق المصالحة بدون المساءلة ولايمكن معاقبة الجناة بدون تعويض الضحايا ولايمكن التعويض بدون عدالة اجتماعية ولايمكن تحقيق عدالة اجتماعية بدون ايجاد أرضية للمصالحة والسلم المجتمعي، ولايمكن ان يحدث ذلك دون مصارحة شاملة وتكريس المشتركات من أجل اقامة نظام مختلف تماما عن الديكتاتورية أو التمييز أو التطهير العرقي ، ليكون المجتمع كله أمام مهمة عسيرة لابد منها ( أن يتذكر وأن ينسى في الوقت نفسه، التذكر كي لاتتكرر الماسي ، والنسيان لانه ارضية للتسامح وفتح صفحة للحياة والمستقبل بعد انصاف الجميع)،  وهو المبدأ الذي اتخذه دعاة مشروع العدالة الانتقالية في جنوب افريقيا ، المبدا الذي حقق الاستقرار والتقدم لبلادهم ويدرس اليوم في كبرى جامعات العالم.