ضحى احمد / د.محمد فتحي عبد العال*
تعتبر الإلياذة والأوديسة من أهم الملاحم الشعرية التاريخية القديمة..
الموضوع الحقيقي، مركز الإلياذة هو القوة...
القوة هي ما تحول أي شخص يخضع لها إلى شيء، فعندما تمارس حتى نهايتها تجعل الإنسان شيئا بالمعنى الأكثر حرفية لأنها تجعله جثة، وإذ بعد لحظة ليس هناك أحد... إنها لوحة لا تمل الإلياذة من تقديمها لنا...
"كانت الخيول تجرّ العربات الفارغة ترّن على طرقات الحرب...
هي في حداد على سائقيها الذين لا ملامة عليهم فهم كانوا على الأرض"
وينسبا إلى هوميروس الشاعر الإغريقي وتعني كلمة هوميروس بالإغريقية : الرهينة أو الأعمى وهو شخصية ذات حضور طاغي علي ساحة الأبحاث التاريخية بين مؤكدا لوجوده ومعاصرته لحرب طروادة التي كتب عنها في ملحمتيه وبين من يشكك في حقيقة وجودة أصلا مع غياب سيرته من الترجمات الموثوقة في الحقبة الكلاسيكية والطريف هو وصول هذه الحالة من الجدل الي تسميتها بالمسألة الهوميرية the Homeric Question.
وبحسب بعض الدراسات فقد كان هوميروس رئيسا للمنشدين في بلاط الأمراء مما سمح له بجولات واسعة في مصر وإيطاليا واليونان إلى أن استقر به المقام بعد أن فقد بصره في جزيرة إيوس وهناك وافته المنية...
تحكي الإلياذة عن باريس ابن ملك طروادة والذي كان يعيش فوق جبل أيدا حيث احتكمه الاله زيوس في ثلاث نساء مقدسات أيهن الأجمل ؟!!في الوقت نفسه كانت الإلهة أيريس (آلهة النزاع ) قد أسقطت تفاحة ذهبية نقش عليها للأجمل لتكون من نصيب السيدة الأجمل ..
قام باريس بإحضار السيدات المقدسات الثلاث ليرى من سيحصل علي التفاحة الذهبية ويحوز لقب الأجمل ؟! فتبارت النساء الثلاث في تقديم الوعود للحصول علي اللقب من باريس فقدمت الأولى وتدعى هيرا وعدا له بالمجد الملكي ووعدته الثانية أثينا بأن يصبح منتصرا أبدا في حروبه بينما استطاعت الاخيرة أفروديت أن تمس وترا حساسا من قلبه بأن وعدته بالزواج من أجمل نساء الأرض مما جعل التفاحة الذهبية من نصيبها ....
قامت أفروديت بتنفيذ وعدها وأوصلت باريس الي أجمل نساء الأرض وهي هيلين زوجة مينيلاوس ملك أسبرطة فأستطاع أن يستحوذ علي قلبها بين طرفة عين ففرت معه إلى طروادة وهنا ثارت ثائرة الأغريق واشتعل فتيل الحرب بين الإغريق وطروادة كما أنقسمت الآلهة حول مناصرة طرفي المعركة لتدور معركة من أشهر معارك التاريخ على مدار عشر سنوات متتالية أسفرت عن خسائر بشرية ومادية جمة أوقعت هيلين في الندم الشديد بعد النهاية المأساوية لطروادة والقضاء النهائي عليها ..
وترصد الإلياذة حادثة من مجريات الحرب في السنة العاشرة حينما سلب القائد اليوناني أجممنون ابنة أحد كهنة أپولون بطروادة وتدعى كريزيس مما دفع الكاهن لدعوة الإله أپولون المنحاز لطروادة فتفشي الطاعون في الجيش اليوناني فأمر أخيل (أحد أبطال اليونان ) أجممنون بإعادة الفتاة لأبيها فأذعن أجممنون في مقابل أن يحصل على محظية أخيل وهي بريزيس مما أوغر صدر أخيل فوافق مضطرا ثم أمتنع عن القتال فأوعزت أمه ثيتس الي أبيها زيوس أن ينتقم لابنها أخيل فضلل أجممنون وجعله يدخل في حرب ضد الطرواديين دون مشاركة أخيل
فهزم هزيمة منكرة أجبرته أن يتفاوض مع أخيل على إعادة محظيته والذي رفض رفضا قاطعا العودة إلى حرب سئمها .
استطاع هكتور قائد طروادة أن يستغل هذا التفكك في صفوف اليونان وأن يحرز نصرا سريعا كاد فيه أن يحرق سفن اليونانيين مما جعل أخيل يلجأ لصديقه پاتروكلس ليتنكر بزيه ويحرز نصرا على طروادة غير أن تدخل الإله أپولون حال دون الإنتصار علي طروادة فقضي هكتور علي پاتروكلس وقتله واستولي على أسلحة أخيل ..
كان موت پاتروكلس إضافة إلى موقف الإلهة أثينا دافعا لتخلي أخيل عن موقفه والعودة إلى المعركة وقتل هكتور قائد طروادة وابن ملكها والتمثيل بجثته بكل وحشية ...تحول كبير يحدث في طروادة بعد مقتل قائدهم الشجاع هكتور حيث زار ملك طروادة ( پرياموس) لأخيل لاستعطافه كي يعيد له جثة ابنه لتدفن بالشكل اللائق بابن ملك ومدافع عن وطنه ...
استجاب أخيل لتوسلات الأب المكلوم وبعد أن لاحظ أن الآلهة قد احاطت جثة هكتور وحمته من التعفن ...
أما الأوديسة فتتحدث عن رحلة العودة بالفرسان اليونانيين في شخص أوديسيوس او يوليسيس أو عوليس في الترجمة العربية والذي يعتبر الأب الروحي لمصطلح النوستالجيا حيث حمله الحنين إلى وطنه وذكرياته إلى تحمل مشاق رحلة استغرقت عشر سنوات للعودة إلى وطنه بعد حرب طروادة كما رفض عرض الحكيمة كاليبسو بالخلود مقابل لحظات حب يقضيها معها .. ومن ناحية أخرى نجد أنه علي الرغم من انقطاع أخباره وإشاعة موته كان على زوجته (بينيلوبي) الوفية وابنه (تلماخوس) التصدي إلى محاولات الإغراء والإغواء من العديد من طالبي الزواج من بينيلوبي وإقناعها بالتخلي عن وفاءها لزوجها ..
ظلت الإلياذة والأوديسة تتمتعان بقدر كبير من العناية والتقدير لدي الإغريق في العصر الهيليني كما كانتا كتابا الإسكندر المفضلين وكانتا تدرسان في مصر في القرن الرابع الميلادي ...كما كانت الملحمتين هما الملهم للشعراء لكتابة ملاحمهم الشعرية أمثال دانتي بالايطالية وفيرجيل بالاتينية ...
الطريف هو أن الفلسفة الإسلامية غاب عنها استعمال الملحمتين في التدليل علي حكمة الوحدانية لله والتي دلل عليها القرآن الكريم في
قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وقوله تعالي { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ... }
فلقد حفلت الملحمتان بصور من صور تعدد الآلهة وكم من الصراعات التي كانت الالهة تتلاعب فيها بمصائر البشر على سبيل التسليةو الإفساد في الأرض مما يتنافي مع حكمة الخلق والوحدانية الحتمية والتنزيه اللائق بالإله الخالق لذا فالقرآن كان معجزا في تطرقه إلى التدليل على الوحدانية عبر مران العقل في التفكير على وضع البشرية إن كان مرتبطا بآلهة عدة تتصارع وتتلاعب بالبشر ودور الفلسفة الإسلامية هو النقل من الحضارات الإنسانية ما يدلل على هذه الحقيقة ويدعمها وما أكثر الأساطير الإنسانية ..
مهما يكن من أمر.. إن المرارة تُعزى إلى سببها الوحيد فقط وهو خضوع النفس البشرية للقوة، أي للمادة في نهاية المطاف هذا الخضوع هو نفسه عند جميع البشر، مع أن النفس تعزوها إلى أمور مختلفة وذلك حسب درجة الفضيلة، لا أحد مستثنى منها في الإلياذة، مثلما لا أحد مستثنى منها على الأرض، ولا أحد ممن يرضخ لها يُحتقر على ذلك إن كل شيء داخل النفس أو في العلاقات الإنسانية ينجو من سلطان القوة يصبح محبوبا...
ولكن يحب حبا مؤلما يسبب خطر التدمير الكامن فيه باستمرار، هذه هي روح الملحمة الحقيقية الوحيدة التي يمتلكها الغرب، وما الأوديسة إلا محاكاة بارعة للإلياذة تارة، وللقصائد الشرقية تارة أخرى..
*استاذه ضحى احمد كاتبه سوريه
د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
0 تعليقات
إرسال تعليق