ثائرة أكرم العكيدي
تشتت أهلها وتبعثر نسيجها الاجتماعي الآلاف منهم قتلوا وآخرون رزحوا تحت احتلال بغيض(داعش) ومئات الآلاف تشردوا ونزحوا بين الجبال أو المخيمات ومنهم من هاجر وتفرق في بلاد الغربة بشتى بقاع العالم. وأم الربيعين تنتظر الفرج والخلاص، واليوم تبكينا كلما ممرننا بأزقتها وشوارعها بعد كل ما خلفته تلك العوامل التي مرت بها من حروب ودمار شامل وصل لاقصى بنيتها التحتية فلم يُبقى منها معلم تاريخي ولا بناية او مؤسسة تلك الانقاض التي كلما مررت بها انقبض قلبي أي مستقبل مجهول بانتظارهم، وما ستحمله لهم في بطونها الأيام من بعد هذا الغوث المرتجى وحين يتحقق الخلاص الموعود.
تلك هي الموصل في الأمس القريب، وهذه حالها اليوم وانا أقف على اطلال ما تبقى منها
الغمامة السوداء التي أصابت العراق كان للموصل نصيب الأسد فيها، من القتل والدمار والتهجير، فقدت عروس الشمال الكثير من شواهدها التاريخية وشخصياتها العلمية والثقافية التي طالما كانت تفاخر بهم المدن، للأسف يعرف العالم قصة الموت والخراب الذي أصاب الموصل لكنه لا يعرف قصة الحياة التي عاشتها إحدى أعرق مدن العالم.
لم يمح الإسلام تاريخ المدينة التي فتحها، بل أكمل على ما كان فيها لتتشكل المدينة بامتداد تاريخها المتراكم الذي قدم للبشرية أول مكتبة حقيقية مكتبة أشور بانيبال وحكمت أرض باتساع من شرق دجلة إلى غرب نهر النيل في فترة الأشوريين الذهبية، فيما توالت عليها الحضارات وسجل فيها أقدم الممالك العربية مملكة الحضر التي لا زالت شاخصة وشاهدة بقصورها التي تتوسط الصحراء جنوب الموصل.
كل هذا الرصيد التاريخي إضافة للموقع المميز والمواد الطبيعية من ماء وأرض خصبة فقد كانت وما زالت الموصل سلة خبز العراق وأرض الجزيرة أكثر الأراضي الزراعية خصوبة في المنطقة إضافة لجغرافيتها على رأس خارطة العراق وطرقه التجارية إضافة للموقع المميز والمواد الطبيعية من ماء وأرض خصبة فقد كانت وما زالت الموصل سلة خبز العراق.
لقد خلفت نكبة الموصل التي لم يشهد العالم مثيلًا لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أرقام ضحايا وخسائر مرعبة تثبت بما لا يقبل الشك.
لم ينسى سكان الموصل ذلك اليوم الذي غير من واقع مدينتهم إلى الأسوأ بعدما شهدت حربا استمرت ثلاثة أعوام، دمرت فيها أجزاء كبيرة من المدينة ومعالمها وبناها التحتية، وقتل فيها الآلاف وهرب الملايين.
حيث دمر ما يقرب من ثمانين بالمئة من المدينة، فيما تشير الموصل اليوم تحتاج إلى نحو مئات المليارات لإعادة إعمارها بالكامل، في وقت لم يحرك ملف إعادة الإعمار وتعويض الأهالي عن الدمار الذي لحق بممتلكاتهم، رغم التخصيصات المالية طوال السنوات الماضية، وسط دعوات للتحقيق بهذا الملف لما يشوبه كثير من شبهات الفساد.
لا يمكن للكلام أن يصف مآسي الحرب، خصوصاً في مدينة الموصل العراقية، التي تحوّلت أحياء كبيرة منها إلى ركام وحطام. الأمر هذا بات جلياً للكثيرين، خصوصاً للمنظمات الدولية التي تروت وقائع حقيقية ميدانية ما حدث فيها كان تصفية لثارات وحقد دفين
فيها خسر العراقيون الكثير من الدماء والأنفس والأموال واحتاجوا إلى ثلاث سنوات من القتال والنزيف المستمر لاستعادة ما فقدوه خلال ثلاثة أيام.
أن سقوط الموصل وما تبعه من تداعيات سيبقى أثره لسنوات وأنه يعادل برمزيته أحداث 11 سبتمبر وعاصفة الصحراء آثاره ما زالت قائمة حتى الساعة والجثث غائبة تحت الخراب، والمخيمات تعج بالمفجوعين
الحكومة المركزية متلكئة ومقصرة بشكل كبير تجاه المحافظة. لم تقدم شيئا يذكر. وباتت الحكومة المحلية تتعارك على مناصبها لصالحها الشخصي
كلتا الحكومتين المركزية والمحلية تفتقران لرؤية حقيقية في إعادة إعمار المنطقة والحفاظ على الإرث الحضاري فيها من الاندثار.
وان هذه الفاجعة خلفت جرحاً بليغاً في جسد العراق لن يُشفى بإجراءات فوقية مالم يتم تطهيره من الفساد والمحاصصة والانطلاق نحو بناء الدولة.
سقوط الموصل قد يتكرر وسيتكرر ما دام الجاني حرا طليقا ولم يحاكم بتهمة الخيانة العظمى أن الإفلات من العقاب أدى بالبلاد إلى ما هي عليه من فوضى وتسيب ودمار
دمار الموصل معناها دمار حضارة وتاريخ عريق
لعل دجلة العظيم أكثر من عَرَفَ للمَوصلِ قدرها، فأخذ بالانحناء قبيل دخوله مدينة الأنبياء، عرفانا بحقها وإقرارا بفضلها، ومعطيا لقبا جديدا للمدينة الموصلة بين الشرق والغرب وهو لقب الحدباء التي لقبت به لاحتداب مجرى النهر فيها إضافة لبساطها الأخضر الدائم، مكسبها لقبا انيقا أم الربيعين التي لم تستطع الحرب بكل بارودها أن تغتال هذين اليافعين المتزينين بزهرة البابونج الرمز لعاصمة الأشوريين نينوى التاريخية التي تقبع في جانب الموصل الشرقي عند تل كويسنجق أو تل التوبة الذي صعد فيه أهل نبي الله ذو النون تائبين ليخلد ذكرهم في القرآن إلى يوم يبعثون
0 تعليقات
إرسال تعليق