خالد محفوظ


تمارس ايران وبشكل ممنهج سياسة الهروب للأمام منذ وصول الخميني للسلطة، فقد كان اعلان حربها على العراق عام 1980 والاستمرار فيها لثمان سنوات خروجاً من مأزق المشاكل الداخلية الجمة التي واجهت سلطة الملالي بعد شباط 1979 فقرروا وتحت شعارات تصدير الثورة أشغال القوميات والطوائف داخل البلاد بحرب خارجية تجعل كل شيء مؤجل حتى نهايتها، ولذلك كان كل يوم زيادة في تلك الحرب يصب في مصلحة الهدف الحقيقي الذي تم اشعال النيران من اجله، مالحق تلك الحرب من تداعيات داخل ايران نفسها او في سياق تعاملها مع دول الأقليم وسيرها في طريق ازعاج ليس تلك الدول وحسب وانما حتى الدول المتحكمة بمصير العالم، ادى الى فرض عقوبات مختلفة على ايران اربكت الأقتصاد وان كانت لم تصبه بالشلل التام، لكن بعضها كان موجعاً بحق.
واستمر النظام المتشدد في نهجه هذا مستعيناً وبقوة بأيدلوجية المؤامرة، رغم ان الضغوط الأقتصادية شكلت عاملاً خانقاً للطموحات ، لكن طهران بدت وكأنها في طريق التخلص من هذه الشرنقة التي وضعت نفسها فيها والأنصهار في المنظومة العالمية على الأقل من بوابة الأقتصاد عندما وقعت الاتفاق النووي عام 2015 مع المجتمع الدولي، حيث اعتقد البعض ان تلك الدولة تسير نحو الأنفتاح المستند في الاساس على تغيير التعاطي مع المنطقة حتى يتاح لها دخول الألية الدولية للنشاط الأقتصادي وهي الحاكمة اليوم للعلاقات الثنائية بين جميع الدول ، اذ ان التجارة وتبادل المنافع هي المحرك الأهم الذي يرسم استراتيجية العلاقة بين هذه الدولة وتلك ولاسيما ان الأتفاق النووي حينها اتاح للملالي التخلص من العقوبات الأقتصادية واستعادة حريتهم المالية بشكل او اخر.
قبل هذا ووفقاً للمعطيات الجديدة كانت ايران قد اصبحت في قلب اختبار نوايا كبير، هل ستستغل اتفاق عام 2015 لتحقيق التوازن الأقتصادي الداخلي وتمنح لشعبها فسحة امل؟ ام انها ستواصل السير في طريق اثارة المصائب وتصدير مشاكلها للخارج؟ 
اثبتت الأحداث فشل طهران في اثبات جديتها من اجل استقرار الشرق الأوسط، بل على العكس كشرت عن انيابها واستندت على مكاسبها من الاتفاق النووي لتزيد من تدخلها السلبي في شؤون دول المنطقة واشعال الفتن وتغذية النيران.
بما ان طهران حققت نجاحاً في خططها الخارجية بنشر نفوذها والهيمنة على العراق ولبنان وسوريا واليمن بفضل اتباعها وميلشياتها التي قامت بأنشائها وتمويلها من خيرات تلك الدول نفسها، فأن سياساتها الداخلية ظلت تواجه فشلاً ذريعاً ادى الى حدوث احتجاجات متكررة وهروب ملايين الايرانيين وطلبهم اللجوء لأسباب اقتصادية في اورپا وغيرها ، اذ تعاني البلاد من اثار اقتصادية كبيرة رغم فتح بعض اسواق المنطقة ابوابها امام المنتجات الايرانية خصوصا بغداد، لذلك كان كل هَم الملالي هو التخلص من العقوبات الأقتصادية بأسرع وقت .
 العالم لم يكن غافلاً عن ايران مابعد الاتفاق النووي ودق جرس الأنذار ، اذ بدأت التلويحات بالانسحاب الأمريكي من تلك الصفقة في أيلول 2017، ومنذ تشرين الأول من ذلك العام، أُدرجت بجدية على أجندة إدارة ترامب. وفي ذلك العام، كان المستثمرون الأجانب الذين قاموا بتوقيع عقود واتفاقيات مع إيران إثر الاتفاق النووي، أصبحت لديهم شكوك جدية بشأن بدء العمل التجاري وأرجأوا باستمرار الوفاء بالتزاماتهم، للتأكد بطريقة أو بأخرى من مصير استثماراتهم في إيران. من ناحية أخرى، ركز ترامب على الصين كمنافس جدي للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، وكان الإيرانيون يشككون في شدة تحركات الرئيس الأمريكي بشأن الاتفاق النووي.
 لقد كان عام 2017 عاماً من الارتباك والحيرة للاقتصاد الإيراني، بحيث توقف خلاله الاستثمار الأجنبي ولم يكن لدى الشركات المحلية رؤية واضحة للتخطيط؛ ولهذا السبب، نما الاقتصاد ببطء وأصبح سلبياً أيضاً، وفي هذا العام، أُعلن عن نمو سلبي بنسبة 8/4 في المئة للاقتصاد الإيراني.
وأخيراً، في 8 أيار 2018، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام كاميرات القنوات العالمية إن الاتفاق النووي يعدّ اتفاقاً مخزياً للولايات المتحدة، وينسحب منه رسمياً. 
 أوضح هذا الحدث الأوضاع بالنسبة للاقتصاد الإيراني وأعقبته سلسلة من العقوبات ضد إيران. وفي عام 2018، عندما تركت إيران أحد أسوأ الأرقام خلال العقود الأربعة الماضية، حيث بلغ نموها الاقتصادي السلبي نسبة 5/9 في المئة، أعلن المركز الإحصائي الإيراني عن معدل بطالة يبلغ 12 في المئة ومعدل تضخم قدره 9/26 في المئة. وأصبح الوضع أكثر توتراً في عام 2019، بل أدى إلى مواجهة سطحية بين إيران والولايات المتحدة، ووصل معدل التضخم إلى 40 في المئة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجهاز الدبلوماسي الإيراني الذي يشكك في إعادة انتخاب دونالد ترامب في تشرين الثاني 2020، اتخذ نهجاً انكماشياً، وأصبح من غير الواضح إلى أين ستقود المعادلات السياسية الأمريكية وقرارات المسؤولين الإيرانيين الاقتصاد الإيراني.